الحروب توحد مشاعر المواطنين في كل دول العالم، وتغيب الخلافات بين التيارات والأحزاب والجماعات، باستثناء الدول العربية، على رغم ان هذه الظاهرة لم تكن موجودة في الماضي، ومن يقرأ تاريخ المقاومة المصرية ضد الاحتلال الإنكليزي يجد ان كل القوى والتيارات المصرية تناست خلافاتها، ورفعت شعاراً واحداً، هو مصر. وفي المقابل فإن غزو الكويت، وحرب تموز (يوليو) 2006 في لبنان، والحرب الأميركية على العراق، خلقت خلافاً حاداً بين أبناء البلد الواحد، وهو ما نشهده اليوم خلال معركة التصدي للمتسللين الحوثيين على الحدود السعودية – اليمنية. فخلال الأيام الماضية شهد بعض الصحف السعودية والخليجية حالاً من التلاوم حول الوطنية، وكتب تركي الدخيل وآخرون عن عزوف أئمة المساجد عن الدعاء للجيش السعودي، في حين أنهم مارسوا ذلك خلال الحرب على غزة. وفي الكويت رفض فؤاد الهاشم انتقاد بعض الكويتيين الشيعة لتعاطفهم مع الحوثيين، إذ سبقهم بعض الكويتيين السنّة الذين تعاطفوا مع رجال «القاعدة»، وتساءل: أين ذهبت الكويت عند هؤلاء؟ وقبل ذلك شهدت الساحة اللبنانية حالاً مشابهة؟ لماذا يتجاهل بعض الشعوب ميوله وخلافاته خلال الحروب والأزمات الوطنية، وتتحول الحروب في دولنا الى مناسبة لامتحان الحس الوطني واستفزازه، بل والتصرف حياله كواجهة لأهداف أخرى؟ من هو المسؤول عن هذه الظاهرة المقلقة ؟ هل هي التيارات الإسلامية التي فجرت الأحاسيس المذهبية، ورهنت الأوطان للمذاهب والأحزاب، ام هي الحكومات التي استسلمت لخطف عواطف الناس وأموالهم لمناصرة قضايا الطوائف والمذاهب على حساب الدولة والوطن ؟ وما علاقة هذه الأزمة بالحقوق والواجبات والعدالة وحقوق الإنسان؟ وما هو دور التربية؟ بصرف النظر عن المسؤول فإن ما يجرى ظاهرة تستحق نقاشاً معمقاً، وإعادة نظر في أمور كثيرة. الأكيد أن تنامي الحس الطائفي والمذهبي جاء على حساب الأوطان والمواطنة، فمنذ العام 1980 ونحن نشهد تدهوراً في الانتماء الوطني في كل البلدان العربية، والحل لن يكون بالتلاوم، وتجاهل الأسباب الحقيقية. ولكن بإعادة النظر في أوضاعنا السياسية والاجتماعية والإعلامية والتعليمية. فمن دون معالجة سريعة وجذرية لهذه الظاهرة المؤسفة، ستدفع دولنا أثماناً باهظة في المرحلة المقبلة.