طلب مكتب الإرشاد العالمي من جماعة الإخوان المسلمين في الأردن فصل التنظيمين الفلسطيني والأردني عن بعضهما، ذلك أن العلاقة المزدوجة بين «حماس» و «جماعة الإخوان المسلمين» في الأردن تمثل إشكالية معقدة على المستويات الإقليمية والأردنية والتنظيمية الداخلية للجماعة، وهي أعمق وأعقد بكثير من مجرد خلافات داخلية في الجماعة على البرامج أو الأفكار والمواقف، فعلى المستوى الإقليمي تؤثر الازدواجية على استقلالية وتأثير الجماعة و «حماس» في العلاقة مع السلطة الوطنية الفلسطينية ومع الوضع الداخلي الفلسطيني، وتؤثر أيضاً على مواقف الجماعة وعلاقتها بالتنظيم العالمي، وتؤثر في علاقة «حماس» مع الدول والجماعات والمنظمات الدولية وعلى علاقتها بالحركة نفسها في فلسطين، وتؤثر على نحو جوهري ومهم على علاقة الدولة الأردنية بمواطنيها، وإدارة علاقتها ب «حماس» والسلطة وإسرائيل والدول المؤثرة في القضية الفلسطينية، ولذلك فإنه من المهم جداً لكل الأطراف المعنية بهذه العلاقة أن تجري تسويتها على النحو الذي ينسجم مع مصالحها وسياساتها ومبادئها، وقد تبدو للوهلة الأولى معادلة معقدة ومتناقضة، ولكن من المؤكد أن تحليل هذه المبادئ والمصالح يساعد على تشكيل رؤية لتسوية هذه الإشكالية على نحو مرضي لجميع الأطراف أو معظمها. مشهد الأزمة يمكن تلخيصه كما يلي: قيادة سياسية لحماس مؤثرة في الحركة الإسلامية في الأردن، وفي الوقت نفسه فإنها تملك علاقات دولية وإقليمية واسعة تسلب الجماعة في الأردن استقلالها وخصوصيتها الأردنية، وتطال وضعها القانوني والسياسي أيضاً، وفي الوقت نفسه فإن قيادة «حماس» على رغم تأثيرها وحضورها الكبير فإنها تعاني من إشكالية دستورية وسؤال ملح، كيف صارت قيادة ل «حماس»؟ ومن يعزلها؟ وكان الحل من وجهة نظر قيادة «حماس» هو أن تحصل على استقلال تام عن الجماعة، ولكن من دون تشكيل جماعة فلسطينية تنتخب مجلس شورى ومكتب تنفيذي جرياً على تقليد وأسلوب الجماعة في كل الأقطار، لأن من شأن هذه الانتخابات على الأغلب أن تستبعد معظم قادة الخارج، لأن الثقل العددي والانتخابي في هذه الحال سيكون لأعضاء الجماعة في غزة والضفة، ولا يتوقع في حال تشكيل جماعة فلسطينية مستقلة في الخارج أن تجتذب سوى عدد قليل من أعضاء الجماعة في الأردن، وربما كان الحل من وجهة نظر قيادة الخارج ل «حماس» أن تظل مهيمنة على الجماعة من غير استقلال تنظيمي، ذلك أن تشكيل جماعتين مستقلتين سيؤدي إلى أن يختار معظم الأعضاء في الجماعة أن يكونوا جزءاً من الجماعة في عمان مع بقاء ولائهم ل «حماس»، لأن تشكيل جماعة فلسطينية مستقلة يعني مغامرة بالنسبة الى أوضاع الأعضاء الشخصية والأمنية وعلاقاتهم مع الحكومات في الأردن والدول التي يقيمون فيها، وأن يحرموا من الاستفادة من الوضع الخاص والمميز للعلاقة بين الجماعة والسلطة التنفيذية في الأردن، ومن وضع الجماعة الخاص والمميز في الأردن، وفي جميع الأحوال فإن التعامل مع نظام سياسي مثل الأردن سيكون في تسامحه في مستوى أفضل بكثير ولا يمكن أن يقارن به التعامل مع أي دولة عربية أخرى. وهذا يعني بطبيعة الحال خسارة كبرى بالنسبة الى قيادة «حماس» في الخارج تشبه الانتحار، فإن ثقلها التنظيمي والمعنوي سيتعرض لاختبار حقيقي، وربما لن يعود مبرراً بقاء حصتها العظمى في أجهزة «حماس» وتشكيلاتها القيادية، وترد الأمانة إلى أصحابها الحقيقيين. المبادرة التي تقدم بها مكتب الإرشاد العالمي أن يجري تشكيل جماعتين مستقلتين على أساس الجنسية، وأن تنتخب كل جماعة قيادتها المستقلة، وهي مبادرة ترفضها بطبيعة الحال قيادة «حماس»، وتطلب من مناصريها ومؤيديها في الجماعة رفضها، وقد تستطيع التأثير على مكتب الإرشاد العالمي وبخاصة الأعضاء المقيمين في الخارج. إذا حصل هذا الانقسام فإن قيادة حماس في الخارج ستواجه مأزقاً كبيراً وحقيقياً، لأنها ستكون ملزمة بإعادة تشكيل نفسها، وستتعرض لاختبار حقيقي يكشف حجم وجودها الفعلي بين الفلسطينيين في الخارج، ويفترض تبعاً لذلك أن يعاد توزيع المقاعد والحصص في قيادة «حماس» بحسب الوجود التنظيمي الفعلي، كما ستتعرض رواية قيادة «حماس» عن تمثيلها للفلسطينيين في الخارج لاختبار حقيقي، وإذا ظهر أن وجودها ضعيف فإن علاقتها بالدول المؤيدة لها ستتغير تبعاً لذلك. وبالطبع فإن تشكيل جماعتين مستقلتين لن ينهي الارتباط العملي بينهما، ولكن مجيء قيادة مقتنعة بهذا الفصل سيجعله واقعاً عملياً، ويضعف وجود وتأثير قيادة حماس في الخارج، وسيتحول التأثير على الأغلب إلى غزة أولاً ثم الضفة الغربية، وهذا سيغير جوهرياً في طبيعة علاقة «حماس» مع القوى السياسية والدول المؤثرة في القضية الفلسطينية، وسيغير أيضاً من موقف «حماس» وتعاطيها مع الشأن الفلسطيني، لأن حسابات الفلسطينيين في الداخل مختلفة بالتأكيد عن حسابات الخارج، وسيغير أيضاً في ميزان علاقة الحكومة الأردنية مع «حماس»، فلن تكون قيادة حماس مستندة إلى ثقل تنظيمي تابع لها في الأردن، بل العكس فإن كلاً من الجماعة في الأردن والحكومة سيقيمان علاقة مستقلة عن علاقتيهما مع «حماس»، وستحكم هذه العلاقات، الحكومة مع «حماس»، والحكومة مع الجماعة، والجماعة مع «حماس»، حسابات ومصالح ومبادئ وموازين جديدة، فالجماعة والحكومة ستحكم علاقاتهما سواء التفاهم والمشاركة أو الاختلاف حسابات وطنية ومحلية، والجماعة و «حماس» سيحكم العلاقة بينهما حسابات ومبادئ جديدة وفق مصلحة ورؤية كل منهما والمستقلة بذاتها، وستكون العلاقة بين الحكومة الأردنية و «حماس» قائمة على حسابات ورؤى العلاقات الفلسطينية الأردنية سواء المشتركة أو المختلف حولها. وبالنسبة الى وضع الجماعة في الأردن بعد الفصل، فلا يتوقع أن ينسحب منها إلا القليل للانضمام إلى الجماعة الفلسطينية، وستبقى تركيبتها الفلسطينية الأردنية قائمة كما هي، أي غلبة فلسطينية، وستبقى علاقتها العاطفية والمؤيدة ل «حماس»، ولكن ذلك لا يعني أن تحولاً كبيراً ومهماً لم يحدث، فستتحول قيادة «حماس» الخارج إلى قيادة غير فعلية للتنظيم وللفلسطينيين في الأردن. وتستطيع الحكومة والجماعة أن توظفا اللحظة القائمة بإعادة تأهيل الجماعة وتحويلها إلى جماعة علنية على أساس علنية النظام الأساسي، وعلنية العضوية والانتخابات، وعلنية التمويل، وخضوع التمويل للقوانين والأنظمة والتدقيق المحاسبي والقانوني، وولاية القضاء ومحكمة العدل العليا على قراراتها، وأن تكون (المحكمة) مرجعية للطعن والاختلاف والدعوى، ويمكن أن يسمح النظام الأساسي بمستويين من العضوية أحدهما مؤيد والآخر عضو مسجل، ولكن لا يسمح بالانتخاب إلا للأعضاء المسجلين، وبذلك فإن الجماعة تكيف أوضاعها القانونية وتحمي نفسها من الاختراق والتأثير الخارجي، وتكيف علاقتها بالدولة وبالجماعات والمنظمات في الخارج على أسس واضحة، فلم يعد ممكناً ولا متقبلاً في مرحلة علنية أن تعمل الجماعة بسرية، ولا يعقل أن تقرر «حماس» في شأن الانتخابات العامة والتفاوض والمقاومة والحوار مع الدول والجماعات وهي متشكلة على أسس غير واضحة، ولا يعقل أن تقرر قيادة في الخارج غير منتخبة بطريقة صحيحة في شأن الحكومة الفلسطينية والانتخابات، أو تملك وصاية وتأثيراً على قيادة منتخبة، ماذا لو قررت «حماس» في الداخل ترشيح إسماعيل هنية للانتخابات الرئاسية على سبيل المثال، هل سيحسم ذلك مجموعة موظفين ل «حماس» في دمشق؟ وماذا لو قرر المكتب السياسي في دمشق ترشيح خالد مشعل للانتخابات الرئاسية؟ وكيف تتعامل «حماس» في غزة والضفة مع القرار؟ كيف تدير الجماعة في الأردن علاقاتها السياسية والداخلية إذا كانت تتعارض مع مواقف «حماس»؟ ماذا تفعل الجماعة لو كانت قيادة «حماس» تؤيد الحوثيين في اليمن أو الموقف الإيراني من الأزمة اليمنية، وكانت الحسابات الأردنية للدولة والجماعة أيضاً هي الحياد أو المعارضة؟ ومن المعلوم أن مواقف وحسابات الجماعة تختلف من دولة إلى أخرى وقد تتناقض مع بعضها في كثير من الأحيان، موقف الإخوان في العراق على سبيل المثال. * كاتب أردني