في اليوم ال1000 لحرب أوكرانيا.. روسيا إلى عقيدة نووية جديدة    الهويّة السعوديّة: ماضي ومستقبل    أمير تبوك يستقبل المواطن ممدوح العطوي المتنازل عن قاتل أخيه    اليونيسف: مقتل أكثر من 200 طفل في لبنان في أقل من شهرين    التشكيلة الرسمية لمنتخب السعودية أمام اندونيسيا    جودة التدريس ومخرجات التعليم    مركز الملك سلمان للإغاثة ينظم المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة الأحد القادم    «السعودية للكهرباء» و«أكوا باور» و«كوريا للطاقة» توقع اتفاقية شراء الطاقة لمشروعي «رماح 1» و«النعيرية 1»    سوق حباشة وتأصيل الموسى    القبض على مواطن لترويجه 44 كيلوجراما من الحشيش في عسير    انطلاق ملتقى المسؤولية الاجتماعية 2024 تحت شعار "الإعلام واقع ومسؤولية"..غداً    جامعة الأميرة نورة تُطلق ملتقى "ريادة ملهمة" لتعزيز ثقافة الابتكار وريادة الأعمال    الصناعة والثروة المعدنية تنفذ 1,584 زيارة ميدانية على المنشآت الصناعية خلال أكتوبر الماضي    ارتفاع أسعار الذهب إلى 2623.54 دولارًا للأوقية    القيادة تهنئ أمير موناكو بذكرى اليوم الوطني لبلاده    سماء غائمة تتخللها سحب رعدية ممطرة على جازان وعسير والباحة    منتدى الرياض الاقتصادي يطلق حلولاً مبتكرة    «الجامعة العربية» تدعم إنشاء التحالف العالمي لمكافحة الفقر والجوع    دراسة: القراء يفضلون شعر «الذكاء» على قصائد شكسبير!    التعليم: إلغاء ارتباط الرخصة المهنية بالعلاوة السنوية    الأخضر السعودي تحت 19 يتغلّب على البحرين في ختام معسكر الشرقية    وزير الدفاع ونظيره الفرنسي يبحثان آفاق التعاون العسكري    42 متحدثًا في الملتقى البحري السعودي الثالث    انعقاد أولى الجلسات الحوارية في المؤتمر الوطني للجودة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع حاكم إنديانا الأميركية    الأخضر «كعبه عالي» على الأحمر    «عكاظ» تكشف تفاصيل 16 سؤالاً لوزارة التعليم حول «الرخصة»    «الشورى» يطالب التأمين الصحي بالقيام بمهماته وتحقيق أهدافه    رينارد في المؤتمر الصحفي: جاهزون لإندونيسيا وهدفنا النقاط    الأخضر يختتم استعداده لمواجهة منتخب إندونيسيا ضمن تصفيات كأس العالم    الخليج يواجه الشباب البحريني في ربع نهائي "آسيوية اليد"    العتودي الحارس الأخير لفن الزيفه بجازان    اتهامات تلاحق كاتباً باستغلال معاناة مريضة ونشرها دون موافقتها    بعد سيلين ولوبيز وكاميلا.. العالمي هوبكنز يعزف في الرياض    163 حافظا للقرآن في 14 شهرا    «الإحصاء»: السمنة بين سكان المملكة 15 سنة فأكثر 23.1 %    إصابات الربو في الطفولة تهدد الذاكرة    (إندونيسيا وشعبية تايسون وكلاي)    الأمير سعود بن مشعل يستقبل مندوب تركيا    لبنان نحو السلام    مرحلة الردع المتصاعد    إدانة دولية لقصف الاحتلال مدرسة تابعة للأونروا    ChatGPT يهيمن على عالم الذكاء الاصطناعي    الاختيار الواعي    صنعة بلا منفعة    سعادة الآخرين كرم اجتماعي    رسالة عظيمة    أصول الصناديق الاستثمارية الوقفية بالمملكة ترتفع إلى مليار ريال    بيع ساعة أثرية مقابل 2 مليون دولار    عودة للمدارس    المملكة ومكافحة مضادات الميكروبات !    الاكتناز    البرتقال مدخل لإنقاص الوزن    سعود بن طلال يطلق كائنات فطرية في متنزه الأحساء    محافظ محايل يرأس اجتماع لجنة السلامة المرورية    برعاية سمو وزير الدفاع.. رئيس هيئة الأركان العامة يدشن أعمال الملتقى الدولي الأول لضباط الصف القياديين    الكتابة على الجدران.. ظاهرة سلبية يدعو المختصون للبحث عن أسبابها وعلاجها    يا ليتني لم أقل لها أفٍ أبداً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تركيا التي تتقن الحسابات السياسية
نشر في الحياة يوم 14 - 11 - 2009

النَّاظر إلى حركة الديبلوماسية التركية في السنوات القليلة المنصرمة، تلفته حيوية مستجدّة تملأ الإقليم بنشاطها وتكمل اندفاعة أنقرة نحو الشرق.
يسير حزب العدالة والتنمية قدماً، بقيادة ثنائي أردوغان وغل وهندسة داود أوغلو، في تصفية الأحقاد مع أرمينيا وتسوية النزاع بين النسيب الأذري والأرمني في شأن إقليم ناغورني كاراباخ. كما يعمل على بناء الثقة مع الجار في كردستان العراق على خلفية طمأنة الكورد في الداخل حيال حقوقهم الثقافية وهويتهم، وتضميد جرح نفخ فيه حزب العمال الكردستاني. كذلك، بات رئيس الوزراء التركي لسان الدفاع عن المدنيين في غزّة، وصاحب دعوة التآخي مع الثورة الإسلامية في إيران، معقل الصفويين يوماً الذين شاغلوا الآباء العثمانيين في عقر دارهم، وتوسّلوا تمرّد الكينزي بل باش في الأناضول.
أمّا الاتفاق الاستراتيجي مع سورية، فقد جعل من أسطنبول محجّة الوفود الدمشقية، تشيح بنظرها عن لواء الاسكندرون، هاتاي حاضراً، وتنتشر الصداقة الأخوية، بلا حدود وحواجز، مع عرّاب انفتاحها ورائي مفاوضاتها المتعثِّرة وغير المباشرة مع إسرائيل.
الودّ بائِن، والطريق معبّد بالتمام أمام عنوان الإسلام السياسي المعتدل، العائد إلى شؤون وشجون منطقة لطالما أهملت تركيا الغوص في ملفاتها، خشية إيقاظ شياطين نائمة تعود إلى عهد بني عثمان. بل إن تركيا أتاتورك العلمانية انفردت في تطلّعها شطر الغرب لزمن طويل، وما أحجمت عن عضوية كاملة في الحلف الأطلسي، ووشائج متينة شدّتها إلى إسرائيل. وها هي اليوم، بنعمة كيمياء دستورية وسلوكية نظامية، ترسي معالم تعايش وعدم اعتداء بين جناح مدني لا يتخفّف من حجاب، ورئاسة أركان تحرص على مبادئ مؤسس الجمهورية وتسهر على حراسة البيت المشترك.
تغيّرت أمور كثيرة في تركيا منذ أن وجد عبدالله غل طريقه إلى الرئاسة بالوكالة عن رجب طيب أردوغان، الرفيق الأول، الممسك بالسلطة من موقع القوامة على مجلس الوزراء. ميدفيديف وبوتين، بطبعة اسطنبولية تحاكي الذاكرة وتناسب المناخ في المجال. غير أن ثمة فجوة أحدثتها السياسات المتبعة، قلّما تُلحظ تداعياتها ويُشار إلى أهميتها بالبنان. خرجت تركيا عن تقليد دام قرابة القرن، ولن يعود لها الاحتفال بنجاحات محققة في منطقة مأزومة تعاني من تداخل العنف والأصوليات، لما تبديه من رزانة وتوفيق بين الأضداد.
ويجدر بنا أيضاً، وربما في المقام الأول، طرح السؤال حول حزمة مسائل عالقه نالت اهتمام أنقرة في رأس سلّم الأولويات، وبدت راهناً طيّ الهوامش وجدول الحسابات. فهل صرفت تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي من مفكّرتها، وإن لحين نظراً لمعارضة فرنسا وسواها، وما هي البدائل المرجوّة على هذا الصعيد في الوقت المستقطع؟
كذلك، لا تنبس شفة مسؤول بمصير جمهورية قبرص التركية ومسعى إعادة توحيد الجزيرة المحال إلى الأدراج. إلى ذلك، ينبغي التوقف ملياً عند علاقة تركيا العضوية بالحلف الأطلسي، ومدى تأثيرها في الحراك الإقليمي، والدور المنوط بها على جناحه الشرقي.
من المتفق عليه والمعلوم أن ملء الفراغ، إنما يتمّ على حساب الطرف العاجز.
في الموازاة، ليس من مساحة إلاّ وتكتسب بمقدار التقاسم او التناتش بين المنافسين، تواجه الاندفاعة التركية في الإقليم (وتكمل بالمعنى الجيو-استراتيجي) طامحين، كلاهما لا نسب عربياً له، الأول معاد والآخر منازع، عنيت إسرائيل وإيران. في هذا الصدد، يشوب حسن النية الذي تبديه تركيا حذر مشروع، سيكبر لدى الجانب العربي، مع انفلاش السياسات، وبيان النصيب المتواضع المتروك لصاحب الرقبة من طالبي حق الانتفاع. فلغاية هذا التاريخ، وعلى رغم لباقة القول والمسكّنات، يُستدلّ أن أنقرة تجنح نحو دول بعينها، ولأسباب مكشوفة، فيما تبقي دولاً عربية وازنة خارج المدار. فإذا كانت دمشق بوابة أنقرة الى العالم العربي، فمستقر وجهة السفر يميل حُكماً إلى القاهرة والرياض، تبعاً للأحجام ومصادر صناعة القرار المؤثر في مجموعة عريضة من الأقطار، مشرقاً ومغرباً وخليجاً منتجاً للغاز والبترول.
إنّ محاصيل الحصاد قد لا تأتي مطابقة لما استشف من ترحيب وحبور في البدايات. تتعطش المنطقة لمبادرات تخرّجها من جو الاحتقان، وتفتح كُوَّة في جدار الأزمات، شرط حيازة القائمين بها النزاهة والحيادية والقدرة على ترجمة المواقف الى أفعال بسواء.
الأمور ما زالت عند تبادل الزيارات والمجاملات، مرفقة بفورة من هنا، وبوخز تركي للحليف الإسرائيلي من هناك. ومن نافل القول ان مجهودات طاقم أردوغان لا ترتقي، لتاريخيه، الى مصاف النقلات القابلة على تبديل اللوحة الإقليمية، والتعاطي مع الملفات الشائكة في الجوهر. لا ينكر على الطرف التركي، إلمامه بالتاريخ من دون إحياء العثمانية بمحمولها من المآخذ والضغائن، فهو يراقب بدقة المجريات في الساحات على تخومه ومن حوله، عارف بالمُتحوِّلات التي أنجبتها دعوة الإمام الخميني، وبشحنات العنف المُتفشّي أصوليات جهادية تناقض نهج حزب العدالة والتنمية، وتعمل على تقويض مدرسته في الفضاء الإسلامي. ورُبّ متابع عن كثب للخطوات التركية، لا ينفي تكاملها مع التصحيح الأميركي وانعطاف إدارة اوباما نحو التهدئة والتسويات. حتى ان هناك من يعتقد بتنسيق هادئ غير معلن مع الدولة العظمى بغية الحدّ من غلواء إسرائيل وإيران معاً، وترسيخ مبدأ الحوار سبيلاً إلى تفاهمات تمهّد لمحادثات يتفهّم راعيها أحوال الشرق على حقيقتها، ويستمد حكمته من ثقافته وحضارته بالأصالة.
صار لتركيا ضلع في حلّ المسألة الشرقية، أو هكذا تريد، لزوم سياسة خارجية نشطة، وأداة حضور أفعل في حقل التجارة وميدان المبادلات مع منظومة جغرافية تجذب الاستثمارات وتبحث عن شركاء. المقاربة حميدة في حدّ ذاتها، حسنة التوثيق، تتصل بشبكة العلاقات التي أخذت تبنيها أنقرة في القوقاز وآسيا الوسطى إثر تفسّخ الاتحاد السوفياتي. لكن تركيا المتوسطية ترفد أوروبا بشبابها، وتقاسمها المعارف والتقنيات، في انتظار دخولها نادي الكبار بحلّة حديثة، عن جدارة وامتياز المعاصرة. يزيد من إيراداتها أن تمرّ أنابيب النفط والغاز في أراضيها، وصولاً إلى مصباتها، كما يسعفها ميزان تجاري معتبر مع جاراتها الجنوبية، سوى أن عناصر قوتها تتجاوز نطاق الشرق الى المعولم الفسيح. هنا يستوي مقدار تجاوبها مع إغراء الشرق، وبالتالي فقدانها حماسة التماثل مع أوروبا، وربما إعادة النظر بالأولويات.
تتقارب آخر حاضنة للخلافة العثمانية من سابقتيها العباسية والأموية في بغداد ودمشق. لا بأس في العودة الى التاريخ والعمق الجغرافي القديم. أمّا التموضع الآيل الى فك التحالفات، فهذا شأن آخر شديد التعقيد يستدعي استدارة كاملة، لا شروع به ضمن المؤسسة الحاكمة، ولا دليل عليه.
* كاتب لبناني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.