ثمة مثل يقول: «أن تصل متأخراً أفضل من أن لا تصل أبداً». والوصول المتأخر هنا هو ل«مصلحة حماية المستهلك» في لبنان، التي حطَّت رحالها أخيراً على شاشات التلفزة اللبنانية بحملة إعلانية تنبّه فيها المواطنين – المستهلكين إلى المنتجات المقلَّدة وتحرِّضهم على عدم شرائها وتبليغها بالمكان الذي اشتروا منه سلعة مقلدة، عبر خط هاتفي وضعته لهذه الغاية. واللافت أنها المرة الأولى التي ينتبه فيها مشاهدو التلفزيون في لبنان إلى أن في إمكانهم، على الأقل بحسب الإعلان الذي يمرّ في أوقات متفاوتة أثناء برامجهم المفضلة، أن يردُّوا سلعاً أو بضاعة اشتروها لأنها مقلدة أو مزوّرة، علماّ أن الثقافة التي اكتسبها المستهلكون في لبنان متأتية من إعلانات ذاتية لمعظم المحال مفادها: أن البضاعة التي تباع لا تبدل ولا ترد. وهذه القاعدة التي وضعها التجار لأنفسهم، يقصد بها كل البضاعة المعروضة حتى وإن كانت أصلية ولم تستخدم لأن المفهوم العام لدى معظم التجار أن «الخارج مولود والداخل مفقود»، ونادراً ما تجد بائعاً يرد لزبون مالاً اشترى به سلعة من محله. ولا يتوانى المشاهد المواطن الذي يعيش هذه الحال - أي الإعلان الطموح جداً وواقع المتاجرة والبيع والشراء – عن تشبيه الإعلان بالمسلسلات اللبنانية التي لا تشبه الواقع في شيء إلا بلهجة الممثلين وسحناتهم، أما طريقة الحياة المرفهة ومنازلهم الفخمة وسياراتهم الحديثة وهمومهم التي لا تتجاوز في كثير من المسلسلات قصص الحب، فهذه كلها ليست موجودة إلا في التلفزيون ولدى طبقة قليلة جداً من عموم اللبنانيين، إضافة إلى رسوخها في مخيلات المخرجين. ولو كان عموم اللبنانيين من المقتدرين والأثرياء على ما تصورهم المسلسلات التلفزيونية لما كانت هناك ضرورة لإعلان «حماية المستهلك» لأن سوق المنتجات المقلدة لا يعرفها الأثرياء وهي ليست لهم أصلاً وهم لا يعرفون الأسواق الشعبية ولا تطؤها أقدامهم، بل إن كل ما هو مزور ومقلد يستهدف الطبقات الشعبية والفقراء الذين قلمَّا فكّر بهم أحد من وكلاء الماركات الأصلية والتجار وكذلك المخرجون... أما الدولة ودوائرها فتلك مسألة أخرى ويخشى أن يكون الإعلان الذي يبث مجرد خسارة مال اضافي لخزينة خاوية، ويخشى أيضاً أن يكون سببه يأس القائمين على «جمعية حماية المستهلك» من تقاعس أصحاب القرار في الدولة وعدم استجابتهم لتحذيراتهم ومقترحاتهم وتركهم الأمور تسير على غاربها فتدخل البضائع على أنواعها وكيفما اتفق من كل حدب وصوب ... ولم يعد للمستهلك خط دفاع إلا تلك الشاشة الصغيرة.