القارئ لا يحتاج أن يكون فتى الشاشة الأول أو الثاني، أو حتى الثالث، ليفوز بقلب الفتاة، يكفي أن يكون خفيف الدم. طبعاً أنا لا أقول هذا، لأنني إذا قلته لا يصدقه أحد، وانما أنقل عن جامعة نورثمبيا، وتحديداً عن علماء النفس فيها، فهم طلعوا بأبحاث تظهر أن ذات الحسن والجمال تريد قريناً يستطيع رعايتها وأطفالهما، أي رجلاً ذكياً يستطيع المنافسة على الأفضل، وهذا يعني ضمناً أنه يستطيع أن يضحكها لأن الغبي لا يملك روح النكتة. هل هذا صحيح؟ في الفيلم «من أوقع بروجر رابت» الذي يمزج بين التمثيل التقليدي والصور المتحركة تُسأل زوجة الأرنب المتهم، وهي حسناء جداً، ما الذي جذبها اليه، وهو «مش ولا بد» وترد «انه يجعلني أضحك». وربما كان هذا سبب نجاح بيتر سيلرز وددلي مور مع بعض أجمل حسان العالم، على رغم شكلهما المزري. الكلام السابق جديد قديم، فمنذ وعيت الدنيا وأنا أسمع «إضحك تضحك لك الدنيا» وان «الضحك خير دواء»، والعبارة الأخيرة عنوان ركن ضاحك في مجلة «ريدرز دايجست» بالانكليزية، و «المختار» بالعربية قرأته مع تعلمي القراءة. والآن جاء علماء نفس ليؤكدوا ما سمعت صغيراً كبيراً. بصراحة، أجد الضحك صعباً هذه الأيام، وكيف نضحك وأنا أقرأ الجرائد وأسمع الأخبار على الراديو، وأراها على التلفزيون. حتى البرامج المضحكة لم تعد مضحكة. وإذا تركنا السياسة جانباً، فالحسناء لن تضحك على نكتة من نوع «كان فيه واحد... اثنين ثلاثة» فهذا ما يروي طالب ابتدائي، والنكت المضحكة فعلاً عادة ما يكون لها معنى جنسي، وعيب أن تروى بحضور نساء، فلا تروى إلا بين رجال همساً، ويضيع المقصود لأن الراوي يريد أن يستميل حسناء، لا حَسناً أو حسنين. هذه الأيام إذا قلت للزملاء همساً في أحد مقاهي ساحة البرلمان في بيروت «نسوان» لقالوا ان من المؤسف أنه لا يوجد بين مرشحي الانتخابات سوى امرأتين أو ثلاث. ثم أسأل عن رأيي في السياسة اللبنانية، ولا أجد ما أقول سوى أن ميشال سليمان بعد اميل لحود مثل باراك أوباما بعد جورج بوش. واستطردت والموضوع الضحك، مع انني أجد أسباب الغضب أكثر، حتى لو لم أتحدث عن شيء سوى السير وزحامه وقوانينه. في بيروت إذا توقفت على ضوء المرور الأحمر، فالسائق المهذب خلفي سيطلق زموره لأتحرك، لأن الناس تتوقف على الأخضر خشية الاصطدام بسائق من الشارع الآخر لا يتوقف على الأحمر. وفي فرنسا لا أخرج بسيارتي من البيت حتى أبدأ «ماتش» صراخ مع سائق آخر، فالفرنسيون عصبيون «ينفرز» الواحد منهم لأقل سبب، أو من دون سبب. والمشكلة هنا انهم يخانقون بالفرنسية وهي لغة قاموس مفرداتي منها غني بألوان الطعام لا الشتائم، وأنتهي بسلطة من بعض الفرنسية والانكليزية والعربية، ويعتقدون بأنني مجنون فأترك وشأني. في المقابل، لا مشكلة لي مع السير في لندن ولا سبب للغضب وألوم نفسي عندما أنسى أنهم يسوقون على اليمين وأحلم بأن دنيا العرب ربيع، و «الأشيا معدن» فتذكّرني سيارة شحن تزمجر في وجهي بما نسيت وأعود الى أسباب الغضب أو العبوس. هل لاحظ القارئ انني لم أشر حتى الآن الى أي سبب اسرائيلي للغضب، ففي هذا الموضوع الغضب هو على أمة لا تعرف كيف تنتزع حقوقها، وتنتظر من الآخرين أن يهتموا بها أكثر مما تهتم بنفسها. أكتب عن روح النكتة المغيَّبة، وعن الغضب والعبوس، من دون غضب وأشعر بأنني ربما أحاول أن أجد الأعذار لنفسي والاخوان بتحميل الأخبار، أي اسرائيل، المسؤولية عن الفشل مع الحسان اضافة الى كل فشل آخر. وفي هذا المجال فعندي قصاصة من جريدة لندنية تنسب الى علماء من أرقى مستوى زعمهم ان الإكثار من استعمال الهاتف المحمول يؤدي الى الإصابة بضعف جنسي. وهكذا فكل قارئ «مقصر» يستطيع أن يتصل بي لأرسل له الموضوع، فينقل تهمة التقصير الى هاتفه المحمول. في غضون ذلك، نقلت الى صديق معلوماتي عن خفة الدم المطلوبة فسخر منها قائلاً أن المرأة لا تحب الهذر أو المزاح، وهو بعدما جرب وفشل لجأ الى الحزم وقال لزوجته ان كلمته في البيت يجب أن تكون مثل الساعة. وردت: يعني لا بتقدم ولا بتأخر. وأخيراً، الولد وأمه كانا عائدين الى البيت ورأيا ابن الجيران يقبل بنت جيران آخرين. وقالت الأم لابنها ان ما رأى مسموح لأن الجار الشاب والجارة سيتزوجان. وسألها الولد: يعني البابا راح يتزوج «الشغّالة». هذا ليس خفة دم أبداً ولا أنصح رجلاً بترديده مهما قال علماء النفس إذا كان فعلاً يريد أن يفوز بقلب الحسناء.