يدرك ما يسمى تنظيم «القاعدة» في جزيرة العرب وأنصار عبدالملك الحوثي أن مصالح مشتركة تجمعهم، تتمثل في إثارة القلاقل وإطالة أمد الأزمة بين الحوثيين والحكومة اليمنية، خصوصاً في محافظة صعدة، وفي الوقت نفسه تسعى «القاعدة» إلى شن هجمات إرهابية داخل السعودية انطلاقاً من اليمن والعودة مرة أخرى إلى مقرهم في المناطق المضطربة في اليمن، لاسيما أن المتمردين لم يعلنوا عن تبرئهم من التنظيمات الإرهابية في اليمن. وأوضح الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية الدكتور علي خشيبان ل «الحياة» أن من الطبيعي أن يشارك تنظيم «القاعدة» ببعض عناصره في الحرب إلى جانب الحوثيين لتحقيق أهداف عدة، منها جر الحوثيين إلى شراكة إجبارية مع التنظيم، والمساهمة في إطالة أمد الحرب. وقال خشيبان: «ان الحوثيين لم يعلنوا عن تبرئهم من «القاعدة» ولا عدم التعاون معها حتى الآن. وهناك الكثير من الأسئلة حول أهدافهم. ويمكن الحديث عن طرف ثالث يدعمهما معاً، وربما تكون مناورة سياسية يتبناها المتمردون الحوثيون لجعل التنظيم الذي يتزعمه اليمني ناصر الوحيشي المطلوب أمنياً لدى السلطات السعودية واليمنية، ورقة ضغط على الحكومة عندما تفشل المحاولات الديبلوماسية التي يدفع بها قائد الحوثيين لجعل الحكومة تتحاور معه كطرف ند لها». وأشار إلى أنه لا يمكن القول إن الحوثيين و«القاعدة» يرسمون سياستهم الإرهابية معاً، ولكن تجمعهم إثارة القلاقل، وتفرقهم الطائفية، فالتنظيم بقياداته يدرك أن إطالة أمد الأزمة بين المتمردين والحكومة من مصلحته لكي يخطط ويرسم ويكثف وجوده في اليمن، نظراً للطبيعة الجغرافية التي تسمح لعناصره بالتحرك والاستقرار في بعض المناطق التي يصعب على القوات الحكومية الوصول إليها إما لأسباب «قبلية» أو «جغرافية». وذكر الباحث في شؤون الإرهاب سعيد الجمحي ل«الحياة» أن اليمن تحول إلى جبهات صراع ومواجهات دموية تكاد تغرقه في الفوضى، وبات هدفاً للاطماع والتدخلات الخارجية في ظل ظروف اقتصادية وسياسية صعبة وبالغة التعقيد يستغلها الحوثيون تحت غطاء طائفي وسلالي، بادعائهم الأحقية في الإمامة و«الحاكمية» من جهة، وتنظيم «القاعدة» من جهة أخرى، ويعملون كآليات متساندة لتفكيك الدولة اليمنية. ولفت الجمحي إلى أن الخلايا الإرهابية في اليمن تبحث عن الأوقات المناسبة للتخطيط لعملياتها، ثم التنفيذ، خصوصاً أن القوات الأمنية اليمنية تهاجم التمرد الحوثي في الشمال وحركة الاحتجاجات في المحافظات الجنوبية. ولاحظ أن خطاب زعيم «القاعدة» الوحيشي الذي طالب فيه الانفصاليين بالانقضاض على النظام، تزامن مع بيانات الحوثيين المساندة للحراك الجنوبي، وهو ما يهدف إلى تأجيج الصراع وإشاعة الفوضى، الأمر الذي يعزز مخاوف اليمن من تحالف ثلاثي شرير. وأضاف: «ان تحالف القاعدة والحوثيين تكتيكي بالدرجة الأولى، إلا أن المنفعة بينهما متبادلة، إذ يسعى كل منهما إلى غاية مشتركة وهي الانقلاب على النظام والاستيلاء عليه، ويوحدهم أسلوب مواجهة مشتركة يتمثل في العنف وإنهاك الدولة». وأكد خشيبان أن الجماعات المسلحة، سواء أكانوا من الحوثيين أو تنظيم «القاعدة»، يعملون على الاستئثار بمساحة جغرافية مناسبة يدافعون عنها، ويجعلونها منطلقاً لتحركاتهم وعملياتهم، وكذلك الإفادة من الطبيعة الجغرافية للمنطقة التي ينتشر فيها الحوثيون، إذ إنها جبلية وعرة يصعب على القوات الحكومية التحرك فيها بسهولة، وتزيد الأمور تعقيداً إذا دخلت «القاعدة» على خط التمرد الحوثي. وقال: «إن مطالب الحوثيين السياسية ذات بعد داخلي، فيما يرغب تنظيم القاعدة في بناء قاعدة لتصدير الإرهاب إلى المناطق التي يستهدفها بعملياته». وعن الدعم المالي الذي طلبه نائب زعيم التنظيم السعودي سعيد الشهري المطلوب لدى الجهات الأمنية في السعودية واليمن، الذي استهدف به سعوديين من أجل مساعدة «القاعدة» والحوثيين في حربهم مع الجيش اليمني، قال خشيبان: «من الصعوبة معرفة أين سيذهب المال الذي طلبه التنظيم في مقطع البلوتوث؟ هل سيدعمون الحوثيين؟ أم يستخدمونه في أغراض إرهابية؟ ولكن ما هو أهم: كيف يدرك المجتمع السعودي أن هذا الاستعطاف من الخلايا الإرهابية للمسلمين في كل مكان يجب ألا يصدقوه؟ فتلك المؤشرات تدل على أزمة حقيقية في الحصول على المال من جانب القاعدة». وأضاف: «على الإعلام أن يصل إلى البسطاء من المجتمع في المناطق النائية والمدن والقرى البعيدة، التي ينتشر فيها التعاطف الديني بشكل عام مع المساكين والفقراء، ليبيّن لهم خطورة دفع المال إلى أشخاص غير موثوق بهم، وغير معروف أين يذهبون بالمال، وأن هذه المجتمعات البسيطة عرضة لغزو عناصر التنظيم ومؤيديها من أجل جمع المال». وأوضح الجمحي أن الأمن السعودي بما يمتلك من إمكانات وخبرات، استطاع أن يحكم السيطرة على الحدود التي تشكل معابر مفتوحة وسهلة الاختراق. وأدركت السعودية ما تشكله تلك الحدود من خطورة، فأقامت أنظمة مراقبة لرصد حركة التسلل والتهريب، وحققت نتائج ملموسة، خصوصاً في الكشف عن المخابئ والكهوف التي اتخذها الإرهابيون بؤراً لتخزين السلاح والذخائر. كما قبضت على أعداد من إرهابيي «القاعدة». وأضاف: «لا بد من الاعتراف بأن المشكلة هي من الطرف اليمني، الذي تربطه مع السعودية حدود تتجاوز أطوالها 1300 كيلومتر، بينها أراض صحراوية ومرتفعات جبلية وعرة، وبالتالي ينقصه الكثير في هذا المجال، على رغم المحاولات المبذولة، ولكن التنسيق الأمني بين البلدين يساعد في مزيد من النجاحات، لتوفير الأمن والاستقرار الإقليمي». وأشار إلى أن اليمن أصبح ملاذاً آمناً ل «لقاعدة»، التي استفادت من المزايا الجغرافية، وتعاطف بعض القبائل معها للاختباء والتدريب والانطلاق لتنفيذ عمليات إرهابية، إضافة إلى مشكلة انتشار السلاح وسط السكان التي يحتل اليمن المرتبة الثانية فيها على مستوى العالم، من حيث الانتشار والتجارة، ما يبعث على القلق وينذر بعواقب وخيمة، إذ إن ذلك يعزز الفرص بقدر أوسع للإرهابيين. وأضاف: «الصدق والشفافية هما نجاح حقيقي للقضاء على ظاهرة الإرهاب، وما حققته السعودية في حربها ضد الفكر المنحرف كان مرجعه الصدق، وما تعاني منه بعض البلدان العربية من عجز في هذا الجانب يعزى إلى غياب الصدقية، وما اليمن سوى نموذج، حيث بقي الإرهاب فيه يراوح تقدماً وتأخراً في السنوات الماضية، ثم أصبح اليوم بإجماع المختصين والخبراء في هذا الشأن مرتعاً خطراً يهدد أمنه وأمن غيره». وأكد خشيبان أن إهمال الأوضاع في اليمن، وعدم السرعة في إيجاد حلول ديبلوماسية وسياسية للوضع بين الحكومة اليمنية والحوثيين سيشكلان خطراً على المنطقة، خصوصاً أن هذه الأزمة ستوفر الفرصة المناسبة لتنظيم «القاعدة»، لكي يعيد جمع شتات فلوله وينطلق في عملياته الإرهابية في المنطقة العربية والخليجية وربما في العالم كله.