لم تنجُ سوق الكتاب وصناعة النشر من تأثير الأزمة المالية العالمية، وبالتالي فمعرض الرياض للكتاب في دورته الجديدة، بحسب الناشرين المشاركين، لم يتخط تماماً هذه الأزمة، التي أثرت في مستويات البيع والشراء. وتسعى دور النشر، خصوصاً الكبيرة، إلى تجاوز هذه الأزمة، من خلال الرهان على قارئ نوعي، وسوق للكتاب بمواصفات معينة، إلى أي حد ستستطيع هذه الدور المراهنة على القراء في معزل عن المؤسسات؟ «الحياة» سعت إلى معاينة آثار هذه الأزمة، من خلال عدد من أبرز الناشرين في معرض الرياض للكتاب. يقول المسؤول في دار رياض الريس، إن الأسعار «ارتفعت عن العام الماضي، وهذا أمر مؤكد، نظراً إلى ارتفاع المواد الأولية المستخدمة في صناعة الكتاب، وتكاليف الطباعة، وأسعار الورق، فأصبحت الطلبات للنشر أقل من السابق، وإن حدثت فإن النسخ المطلوبة أيضاً تقلصت، لان الطلب على الشراء قل أيضاً». مشيراً إلى «أنه ما زالت هناك معارض (مثل معرض بيروت الدولي ومعرض الرياض)، تعتبر الأكبر حجماً، والأكثر مبيعات بالنسبة لنا كأصحاب دار نشر، وربما نستطيع أن نعزو هذا الأمر، لان للدار زبائنها من خلال العلاقة التي تربطنا بالمؤلفين أو الجمهور، الذي يعتمد على نوعية إصدارتنا». مضيفاً: «ان الأفضل هنا هو تغيير سياسة معارض الكتاب، وتحويل هذا المهرجان من عادة سنوية إلى تنظيمها كل سنتين، وهو الأفضل حالياً، لتتاح للقارئ الفرصة لإنهاء ما لديه من قراءات، إضافة لإعطاء دار النشر الفرصة لتعرض عناوين جديدة من الإصدارات، فالقارئ يشعر بالملل من تكرار الإصدارات لدور النشر على مدى سنوات متتالية، ويتطلع دائماً لما هو جديد». ويؤكد قاسم بركات من «دار الفارابي»، تأثر «مؤسسات النشر وبعض الصحف، نتيجة للأمة المالية العالمية، التي أدت إلى إغلاق بعض الدور في بيروت، أو إلى توقف بعض الصحف، ومن خلال صرف العمال فيها من أعمالهم، ومن المؤكد أن الدخل أصبح أقل كثيراً لبعض الدور». مشيراً إلى أن الأمر «اتضح بصورة جلية في معرض الكتاب الدولي في القاهرة، لناحية انخفاض مستوى المبيعات بما يقارب 50 في المئة، بينما في المغرب لا يمكن الحكم على الأمر كثيراً، لان إجراءات معرض الكتاب هناك لا تعتبر مغرية كثيراً، نظراً لاشتراطات العرض هناك، التي تحدد مستوى الأرباح بالنسبة لنا كعارضين. وفي الرياض ونحن في بدايات المعرض لم أجد أن هذا الأمر ملحوظ إلى الآن، وربما يعود في اعتقادي إلى أن الاقتصاد السعودي لم يتعرض لهزة عنيفة، كما يحدث في دول أخرى، وإن كنت لاحظت أن المستوى متأثر في الكويت، وهي ليست بعيدة عن الرياض في الظروف الاقتصادية». وأشاد بركات بالتطورات التي يشهدها معرض الرياض هذا العام «من خلال المقر الجديد، وسرعة إجراءات الشحن والفسوحات الخاصة بالكتب». مركز الوحدة العربية يواجه مشكلات وتطرق خالد يونس من مركز دراسات الوحدة العربية إلى «مشكلة ارتفاع المواد الأولية المستخدمة في الطباعة كالورق، فكنا بين أمرين اما رفع السعر قليلاً، أو أن نقلل من قيمة التخفيض، ولكننا في النهاية نهتم بقارئنا بالدرجة الأولى، فهدفنا هو إتاحة الكتاب للجمهور». موضحاً أن معرض الرياض بشكل عام يعد من «أهم المعارض في الوطن العربي، فالجمهور هنا هو الذي يدفع من أجل الحصول على الكتاب، لتحقيق الفائدة الشخصية له بالدرجة الأولى، بينما نجد مثلاً في بعض الدول الخليجية أن الدولة تضخ أموالاً من أجل شراء الكتب». ويؤكد ماجد شبر، من دار الوراق في بريطانيا، أن المبيعات «تراجعت بشكل ملحوظ، فالسيولة المالية تناقصت لدى المواطنين، وان كنت أجد أن الأمر ما زال لا يشكل أزمة كبيرة في السعودية بخاصة، بخلاف القاهرة والمغرب التي اتضحت فيهما معالم الأزمة من خلال معرض الكتاب». ويرى بسام الكردي، من المركز الثقافي العربي، أن هناك تأثيراً واضحاً للأزمة الاقتصادية على الكتاب: «ما زلنا محافظين على المستوى نفسه إن لم نكن أفضل من السابق! فنحن نعتمد في الأساس على جمهور له ذائقة نحترمها، فمازلنا محافظين على إصدارتنا». ويضيف ربما المؤثر هنا هو أننا كعرب «لا نعتمد في حياتنا على تخصيص جزء من دخولنا الشهرية لشراء كتاب أو كتابين شهرياً، وإنما نترك الأمر للظروف الملائمة فقط لأوضاعنا، والمواطن العربي يهمه بالدرجة الأولى إشباع جوعه للطعام وليس الإشباع الفكري، لذا نحن كعرب لم نتأثر كثيراً وإنما الأكثر تأثراً هو المواطن الغربي والأميركي الذي أصبحت مدفوعاته متأثرة جداً بما يحدث عالمياً». ويعتقد علي الغزالي، من «دار نينوى» أن هناك انعكاسات لهذه الأزمة، «ولكنها لم تتضح حتى الآن على الأقل في العالم العربي، ولا شك أننا تلقينا طلبات للنشر بالتقسيط مثلاً، وهو أحد الحلول السليمة ليست لدار النشر وإنما للمؤلف، الذي يهمه كثيراً أن يكون له إصدار جيد، ولا شك أن نوعية الكتاب ومحتواه من لغة مكتوبة أو حدث روائي أو أياً كان له دور في هبوط مستوى النشر أو توقف دار نشر، وما يحدث هو مدى قدرة الناشر على المحافظة على سمعته ومستواه ورغبته في الاستمرار بالنجاح». ويلفت ماجد سالم، من دار علاء الدين، إلى أنه ومن خلال مشاركة الدار في معارض الكتب في الدول العربية هذا العام، «وضح التراجع بشكل كبير لبعض الدول وأخرى لم يكن هناك أمر ملموس». وأضاف «لكن الأزمة، ليس لها تأثير على القراء الحقيقيين في العالم، فالإنسان العادي والبسيط والموظف الحكومي والطالب الجامعي لا علاقة مباشرة له بما يحدث اقتصادياً في العالم خلال هذه الأزمة، وكل ما في الأمر أنها ترمي في بداية الأمر ونهايته إلى تكديس الأموال، وجمعها بطريقة مختلفة من شعوب العالم وسحقها في طاحونة تفرم الأخضر واليابس، وتحويلها إلى أسلحة توجه ضد العالم الثالث البائس، سواء في أفغانستان أو العراق وفلسطين أو حتى في هونولولو». ويرى رياض عبدالله من دار «توبقال» أن مستوى النشر للأفراد لم يتعرض لأية أزمة، «وربما تأثر كثيراً نشر المؤسسات بشكل ملحوظ». مسؤولية أمام القراء وعن تفادي هذه الأزمة، التي تعوق النشر والتأليف، يقول مدير دار الآداب نبيل نوفل: «لدينا مسؤولية مباشرة أمام قرائنا، نتيجة للعلاقة الطويلة التي تربطنا بهم، فليست مسؤولية القارئ أن يواجه مشكلات تتعلق بالنشر والإصدار، فنحن نقوم من خلال المشاركة المستمرة بمعارض الكتاب في العالم بتدوير مبيعاتنا، من أجل الإصدارات السنوية الجديدة، بما نخرج منه مادياً من هذه المعارض، ونحاول في كل معرض أن توجد الكتب التي تُعنى بمزاج القارئ في كل بلد، واضعين في الاعتبار أيضاً قدرات القراء الشرائية»، مؤكداً أن هناك الكثير من دور النشر «واجهت إشكالات من الأزمة الاقتصادية بالعالم، إلى درجة أن بعض الصحف أغلقت أو قامت بتصفية موظفيها، أو حتى قللت من حجم النسخ التي تصدرها، ولكن يتحكم كثيراً في مدى النجاح والاستمرار إدارة المؤسسة بحسب مستجدات الوضع. لن نستطيع رفع قيمة مبيعات المعارض، من دون جمهور يأتي للبحث كما يحدث في الرياض، ويساعدنا كثيراً في مواجهة أزماتنا المالية أننا نجد دعماً متواصلاً من قراء إصداراتنا، فهي مرجع لكل باحث ومفكر ومثقف».