«الموت لأميركا... الموت لإسرائيل» شعار الموالين للنظام الإيراني، رددوه في الذكرى الثلاثين لاقتحام سفارة الولاياتالمتحدة. «الموت للديكتاتور» في إيران، هتف المعارضون للنظام... ففي طهران كانت شمس الانقسام في منتصف السماء، أبلغ تعبير عن عبث السلطة في قدرتها على تحجيم أزمات الداخل، وادعاء حرب بلا نهاية مع اميركا، فيما الوجه الآخر للنظام يتمنى التفاوض مع البيت الأبيض، بشروط المرشد. وإن كان خارج المألوف، ان تحتفل أي دولة وأي سلطة باحتجازها رهائن، اياً تكن جنسيتهم، وبصرف النظر عن المدى الزمني الذي لا يعني في حال إيران سوى تمديد المواجهة مع الأميركي – بالكلام – لاحتواء معارضي ولاية الفقيه في الداخل، فالذريعة هي المعادلة المزمنة: المتآمر مع الأميركي «المتغطرس» هو كل من يقول «لا». أما تزامن الذكرى الثلاثين لاحتجاز 52 اميركياً رهائن في السفارة ل444 يوماً، مع بلوغ الملف النووي لإيران عقدة الخيار بين مشروع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وفصل جديد من العقوبات الدولية، فلم يوحِ لطهران سوى بمزيد من التصعيد مع واشنطن. لكنه التصعيد الذي يتكئ على تردُّد أميركي أو ما يُفسَّر لدى القيادة الإيرانية بوصفه وهناً يستتبع مزيداً من التحدي. ولا تشي بغير ذلك كلمة المرشد علي خامنئي في تناوله العلاقة بين «الذئب» الأميركي الذي يتهمه بإخفاء الخنجر رغم كلامه «المعسول» وابتساماته، وبين «الحمَل» الإيراني. فإذا كانت صفة الذئب مسألة فيها نظر، بالعودة الى سجل السياسات الأميركية في المنطقة، فالأرجح أن صفة الحَمَل بعيدة عن السياسة الإيرانية كبُعد طهران عن واشنطن. أبسط ما يسترعي الدهشة في كلمة خامنئي عشية الذكرى الثلاثين، هو تنديد المرشد بتدخل الولاياتالمتحدة في «شؤون الشعوب»، ويعرف أهل المنطقة ان قائمة البلدان العربية التي تشكو التدخل الإيراني باتت طويلة. فارق وحيد بين ايران والعرب، هو انها تستضعفهم فيما تحتج ليلاً نهاراً على محاولة الغرب «استضعافها»، بل ترد التحدي ببرنامج نووي. تستقيم مع ذلك ايضاً، هواجس ومخاوف من ان الرد يُترجم اقليمياً بنوازع هيمنة... إقليمية. وبعيداً من مرارات الجوار مع إيران الثورة التي اختارت تثبيت ثوريتها بمواجهة أبدية مع «الشيطان الأكبر»، تقتضي احتفاء سنوياً باحتجاز بشر، تختصر شعارات طهران في الذكرى الثلاثين لتعميد الثورة باقتحام السفارة الأميركية، نوع المواجهة بين «الديكتاتور» وأميركا!... وإذ يقتضي الواقع اعترافاً بأن المرشد لم يجانب الصواب في رؤيته «غطرسة» طبعت سياسة الولاياتالمتحدة لعقود، خصوصاً في عهد جورج بوش المشؤوم، فصفة «الديكتاتور» في إيران هي شأن شعبها، إصلاحيين ومحافظين. ما يعني الأميركيين اليوم هو فعل براءة من احتلال سفارة بلادهم في طهران، أعلنه حسين منتظري فيما الشرطة تنقضّ على المعارضين الذين ألهتهم احتجاجاتهم على تمديد عهد نجاد، عن كيل اللعنات ل «الشيطان الأكبر»، فانصرفوا الى طلب «الموت للديكتاتور». والأكيد ان المرشد مثل «الحرس الثوري»، اكتشف مجدداً عدم استجابة الإصلاحيين نداءه للعودة الى طاعته، وأن أزمة الداخل لم تطوَ صفحتها. يحدث ذلك للمرة الأولى منذ ثلاثين سنة، هي عمر النظام وعمر المواجهة مع الولاياتالمتحدة. وإن كانت «توبة» منتظري بمثابة شرارة جديدة للمواجهة في الداخل، حيث تلاحق نعوت العمالة وذنوبها كل من يهادن واشنطن، فالحال ان الرئيس باراك أوباما ما زال يفضل ترغيب طهران بجزرة «الصفحة الجديدة»، لا ترهيبها بعصا العقوبات. وإذ تدرك ذلك، تنجرف اكثر فأكثر الى التصعيد الذي يستتبع شطب الأصوات «النشاز» في إيران. لا يريد المرشد ابتسامات الأميركيين ولا «خنجرهم»، ولا يريد يدهم الممدودة الى الحوار بشروطهم. البديل شروطه هو، لاستدراج افضل ظروف لأي صفقة «نووية» مع «الشيطان»، لم تعد من الأسرار متطلباتها الإقليمية، إيرانياً. وفي حين يبقى السؤال مَن يقوى أكثر على تحمّل عض الأصابع، لن تبقى «توبة» منتظري مجرد همس لدى الذين يصنّفهم «الحرس الثوري» طابوراً خامساً... «عميلاً».