مدهش أمر بعض المدن العربية وبعض الأموال العربية. فهي، ومنذ زمن، تتدافع لإقامة مهرجانات سينمائية، مع أن عهدها بالسينما قريب جداً، هذا إن كان لها تاريخ سينمائي على الإطلاق. وهي في تدافعها هذا، تتنافس وتتخاصم، وتستأجر النقاد وتشتري أهل السينما، من الأجانب خصوصاً، فنتج من ذلك تظاهرات متعددة النجوم، بكل معنى الكلام: نجوم سينما من الطراز الأول حتى وإن كان كثير منهم يصنف في خانة العتائق، وبطاقات طائرات بسبع نجوم وأكثر، وفنادق بعشر نجوم وأكثر. وأفلام... كثير من الأفلام التي غالباً ما يصار الى حشرها في أيام قليلة، وفي أحيان كثيرة، بين حفل غداء صاخب ووليمة عشاء أكثر صخباً... وسخاء. وكل هذا، سيقال لك، كرمى لعيون السينما ولعيون الذين يحبون السينما. وفي النهاية يأتي، بعد انقضاء المهرجان من يقول لك إن العدد الحقيقي للمتفرجين، الذين يحبون السينما ويقبلون على العروض، يكاد يوازي عدد الأفلام المعروضة، أو قد يزيد قليلاً. فالجمهور العريض، حتى خلال حقبة المهرجان وفي مدنه المزدهرة، يبقى جالساً أمام أجهزة التلفزة في بيته يشاهد ما تعرض له، بما في ذلك برامج شيقة عن المهرجانات التي قد لا تبعد عن منزله أكثر من مئات الأمتار. والحقيقة إذا تأملنا هذا الواقع، ثم أدركنا أن هذا النوع من المهرجانات، وفي سبيل تعزيز جماهيريته، غالباً ما ينتزع نجوم «السينما» من أعمالهم «التلفزيونية» ليدعوهم مكرمين ويغدق عليهم كل آيات العطاء والتكريم، يحق لنا أن نتساءل: لماذا السينما أصلاً، في مثل هذه المدن التي لا تراث سينمائياً حقيقياً لديها، ومن الصعب أن يكون لها ذات يوم تراث على الشاشات الكبيرة؟ لماذا السينما وليس التلفزة؟ بكلمات أخرى: لماذا كل هذا الاحتفال بفن لا وجود له، ويصل الأمر للحصول عليه الى «شراء» مهرجانات أجنبية من ألفها الى يائها بمبالغ طائلة، في الوقت الذي يبدو واضحاً أن ثمة للوجاهة - أو لخدمة الفن إذا أردتم! -، سبلاً أسهل وأكثر جماهيرية بكثير: تحويل هذه «المهرجانات» السينمائية الى مهرجانات تلفزيونية. صحيح أن هذا قد يكون فيه بعض الظلم للفن السابع الذي لا شك في أن بعض أهله يستفيدون من الجوائز الضخمة والأجور الأضخم التي تغدق عليهم لقاء حضورهم... لكن هذا الظلم أقسى منه منظر الصالات الخالية حين تعرض الأفلام في الصالات... أو حين تمر مرور الكرام مهما عظمت أمام أعين جمهور غير معني أصلاً... بل حتى ضيوف يتساءلون في كل لحظة عما يفعلون هنا! يقيناً ان استبدال «مهرجانات» السينما بتظاهرات تلفزيونية يحتاج الى شيء من التواضع، المفقود عموماً... لكنه وبالتأكيد سيكون خطوة أكثر قوة ومنطقية للوصول، حقاً، الى زمن تفرض فيه السينما على مدن كهذه ضرورة قيام مهرجانات فيها.