تبدأ العلاقات السعودية - الأميركية، مرحلة جدية في تاريخها مع تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، مقاليد الحكم في المملكة، وهو ما يدركه الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي زار الرياض أمس (الثلثاء) على رأس وفد رسمي كبير لعقد أول لقاء مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بعد مبايعته ملكاً للمملكة. اللقاء بين أوباما والملك سلمان ليس الأول، فسبق والتقى الطرفان في روضة خريم عندما زار الرئيس الأميركي السعودية في آذار (مارس) 2014، كما أجرى الملك سلمان بن عبدالعزيز أيضاً محادثات في البيت الأبيض عندما زار واشنطن في نيسان (أبريل) 2012، قبل تعيينه ولياً للعهد في وقت لاحق من ذلك العام. وكانت قراءات المحللين والمتابعين الأميركيين عن الزيارة ب«مثابة نموذج للإيجاز والعموميات»، إذ أكد الزعيمان على الشراكة القوية والدائمة القائمة بين البلدين، كما ناقشا مجموعة من القضايا الثنائية والإقليمية. إن واشنطن تنظر بثقة كبيرة إلى الرياض في علاقاتها الخارجية، وهو ما أكده تقرير أصدره البيت الأبيض تناول فيه أهمية العلاقات السعودية - الأميركية، ومدى تأثيرها على الأمن الإقليمي، والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. كما تتفق البلدان على «الحاجة للعمل سوية لمحاربة الإرهاب، وتشجيع التفاهم والتسامح والتعايش في المنطقة والعالم». وقال تقرير البيت الأبيض الذي أصدره مكتب السكرتير الصحافي في كروفورد بولاية تكساس، في وقت سابق أنه « قبل 60 عاماً عقد الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، ومؤسس المملكة الملك عبدالعزيز يرحمه الله، اجتماعاً تاريخياً على متن سفينة في البحيرة المالحة الكبرى في قناة السويس على الأراضي المصرية. واليوم نحن جددنا علاقاتنا الشخصية وعلاقة الصداقة القائمة بين أمتينا. وفي لقائنا اليوم وافقنا على أن التغييرات الخطرة في العالم تدعونا إلى إقامة علاقة جديدة بين بلدينا، بل شراكة موطدّة تقوم على أسس شراكتنا السابقة، وتجابه تحديات الحاضر، وتحتضن الفرص التي ستواجهها أمتانا في الأعوام ال 60 المقبلة». وأضاف التقرير، إن « صداقتنا تبدأ بالإقرار بأن لدى أمتينا تاريخين كبيرين ومميزين جداً، وإن الولاياتالمتحدة تبجّل السعودية كونها مهد الإسلام، وأحد أعظم الديانات العالمية، والمركز الرمزي للدين الإسلامي كونها خادمة الحرمين المقدسين للإسلام في مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة». وأشار إلى أن السعودية «تكرّر دائماً دعوتها إلى جميع الذين يبثون تعاليم الدين الإسلامي وينشرونه بأن يتمسكوا بحزم برسالة الإسلام من السلام، والاعتدال، والتسامح، ورفض كل ما ينحرف عن تلك المبادئ». ونوه التقرير ب«اتفاق البلدان على أن رسالة السلام والاعتدال والتسامح هذه يجب أن تطاول جميع الأديان والممارسات الأخرى»، مشدداً على أهمية «المبادئ التي اتفقا عليها خلال المؤتمر الدولي حول مكافحة الإرهاب الذي استضافته المملكة في شباط (فبراير) 2005، والمبادئ التي جسّدها إعلان الرياض الداعي إلى دفع عجلة قيم التفاهم والتسامح والحوار والتعايش والتقارب بين الثقافات، ومكافحة أي شكل من أشكال التفكير الذي يروّج إلى الأحقاد، ويحرّض على العنف، ويتغاضى عن جرائم لا يمكن لأية ديانة أو قانون أن يقبل بها بأية صورة من الصور». واشنطن تؤكد: العلاقات مع الرياض قائمة على الاحترام في الوقت الذي تعتبر فيه أميركا أن الأمم تنشئ مؤسسات تعكس تاريخ وثقافة وتقاليد مجتمعاتها، فإنها أكدت - بحسب تقرير البيت الأبيض - عدم سعيها ل«فرض أسلوبها الخاص من الحكم على حكومة وشعب المملكة، منوّهة بالبرنامج الإصلاحي السعودي في الفترة الأخيرة». وقال البيت الأبيض «إن السعودية وأميركا شريكتان وثيقتان في عدد من المجهودات المهمة»، مرحباً ب«تصميم السعودية المتجدد على متابعة الإصلاح في المجالات كافة». وحول الدور السعودي الأميركي في دعم استقرار العراق، قال التقرير إن « السعودية وأميركا ملتزمتان بمساعدة الشعب العراقي بصورة فاعلة على تحقيق تطلعاته ببناء أمة آمنة وذات سيادة، ومزدهرة وموحدة تكون في حال سلم مع جاراتها، وإذ يكون العراقيون من جميع الأديان والجماعات العرقية أحراراً بالمشاركة في مؤسساتها». جهود مشتركة لمكافحة الإرهاب تعرضت السعودية وأميركا لعدد من العمليات الإرهابية، وقال التقرير «إن الإرهاب في البلدين نفذه أفراد وجماعات يتّسمون بالعنف، ويفتكون عشوائياً بأناس من جميع الأديان والقوميات لأجل الترويج لأجندتهم المتطرفة». وأشار إلى أن «البلدين يؤكدان بشكل دائم العزم على تعزيز التعاون الوثيق بينهما لمحاربة الإرهاب وقطع دابر الموارد المتجهة للإرهابيين، وتعهدا في أكثر من مناسبة عالمية بالعمل معاً إلى أن يتوقف الإرهاب عن تهديد أمتينا والعالم بأسره». وأكد التقرير أن «السعودية وأميركا يدعمان جهود منع انتشار أسلحة نووية، والتكنولوجيا والمواد الضرورية لتطويرها وتصنيعها، إذ إن الجهود الرامية إلى تطوير واقتناء أسلحة من هذا القبيل تتعارض مع جهود البلدين للترويج إلى السلام والاستقرار في المنطقة». وحول النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، والدور السعودي - الأميركي في إنهائه، قال التقرير «إن السعودية وأميركا يرغبان في تسوية عادلة، وسيواصلان جهودهما لتحقيق هذا الهدف ودعم جهود السلطة الفلسطينية لإحلال الديمقراطية والسلام والرخاء لجميع الفلسطينيين»، منوهاً إلى مبادرة السلام العربية التي أطلقها الملك عبدالله بن عبدالعزيز يرحمه الله في 2002»، مشيراً إلى أنها «مبادرة تسعى للترويج إلى سلام إسرائيلي - فلسطيني، وسلام إسرائيلي - عربي». أوباما سعى إلى تنشيط علاقاته مع السعودية بعد فتور موقت سعى الرئيس الأميركي باراك أوباما في زيارته الرياض أمس إلى التأكيد على استراتيجية العلاقة مع السعودية، وإبراز التحالف الوثيق بين الرياضوواشنطن في حماية الأمن الإقليمي والمصالح النفطية، ويرى خبراء أن اصطحاب أوباما خلال زيارته وفداً رفيع المستوى يمثل حكومات أميركية سابقة «دلالة على رغبته في تمتين العلاقات مع الرياض ومع الملك الجديد سلمان بن عبدالعزيز». ووصل (رويترز) الرئيس أوباما وزوجته ميشيل إلى السعودية ظهر أمس، لتقديم واجب العزاء للعاهل السعودي الجديد الملك سلمان في وفاة سلفه الملك الراحل عبدالله في زيارة تؤكد قوة التحالف الأميركي - السعودي. وتفاقم القلق الأمني الأميركي-السعودي الأسبوع الماضي بسيطرة الحوثيين الذين تدعمهم إيران على الحكومة في اليمن في انتكاسة لجهود واشنطن لاحتواء جناح القاعدة هناك والحد من النفوذ الإقليمي لإيران الشيعية. وانهيار الحكومة اليمنية مصدر قلق للسعودية، لأن بينهما حدوداً مشتركة طويلة، وبسبب التقدم الذي أحرزته إيران المنافسة الرئيسة للمملكة السنيّة على النفوذ الإقليمي. وعملت السعودية على حشد الدعم العربي للانضمام إلى الدول الغربية في تحركها ضد تنظيم «داعش»، وقوبل ذلك بالثناء من واشنطن التي تقدّر هي ودول غربية المملكة كونها دولة محورية في الشرق الأوسط لاعتبارات عدة. وبعد وفاة الملك عبدالله يوم الجمعة الماضي سيحاول أوباما تسيير العلاقات بسلاسة مع الملك الجديد سلمان الذي يتولى السلطة بعد فترة شهدت قدراً من التوتر في العلاقات بين واشنطنوالرياض، وتحسنت العلاقات الأميركية-السعودية حين زار أوباما الرياض في آذار (مارس) الماضي لرأب الصدع. وحطت الطائرة الرئاسية الأميركية «اير فورس وان» في مطار الملك خالد الدولي بالرياض في الساعة الثانية من ظهر أمس، بعد أن غادرت نيودلهي في وقت سابق أمس، وشددت السلطات السعودية تدابيرها الأمنية بشكل كبير، وانتشرت مئات المركبات الأمنية ورجال الأمن، بما في ذلك المركبات المصفحة وسيارات الشرطة وأجهزة الاستشعار على طول الطريق بين مطار الرياض ووسط المدينة. وكان أوباما وزوجته ميشيل اختصرا برنامجه المقرر في الهند، وألغى زيارته لتاج محل ليزور الحليف السعودي البالغ الأهمية بالنسبة لواشنطن منذ 70 عاماً. وبحسب محللين، سيحاول أوباما والملك سلمان إعادة تنشيط العلاقات الثنائية التي تضررت خلال الأعوام الماضية، على رغم استمرار الشراكة الاستراتيجية بين البلدين مع وجود مصالح مشتركة ضخمة. وقد تقاربت واشنطن نسبياً خلال الفترة الأخيرة مع خصم السعودية التقليدي إيران في وقت تزداد فيه احتمالات التوصل إلى اتفاق نووي مع طهران. وذكر خبراء لوكالة «فرانس برس» أن الملك سلمان يتطلع إلى مزيد من الالتزام الأميركي في أزمات المنطقة. وقال رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية والاستراتيجية في جدة أنور عشقي إن «هناك ملفات لابد أن يكون هناك تفاهم حولها بين الملك سلمان وأوباما، لأن المملكة تتفق مع واشنطن على كثير من الأهداف، لكن الاختلاف واضح حول عدد كبير من المسائل». وبحسب عشقي فإن السعودية تختلف مع واشنطن في الاستراتيجيات حول ملفات متنوعة وتتطلع إلى مزيد من الالتزام من جانبها في الملف السوري واليمني والليبي والعراقي، إضافة إلى ضرورة ألا تكون مقاربة الملف النووي مرتكزة فقط على الملف النووي، بل أيضاً على ما تعتبره الرياض تدخلاً إيرانياً في المنطقة. وصرح نائب مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض بن رودس للصحافيين أن زيارة أوباما «تشكل فرصة للتشاور في بعض المسائل التي نعمل عليها مع السعوديين» مشيراً بشكل خاص إلى الحرب على تنظيم «داعش» واليمن والمفاوضات النووية مع إيران والعلاقات السعودية-الأميركية عموماً. وأضاف: «أعتقد أنه من الواضح جداً بالنسبة لنا بأن الملك سلمان أعطى إشارات واضحة عن الاستمرارية» مشيراً بالتحديد إلى «الاستمرارية في المصالح السعودية وفي العلاقات السعودية الأميركية». وتابع: «نحن نعتقد أن السياسة السعودية ستظل مطابقة لما كانت عليه في عهد الملك عبدالله»، إلا أن التغيير على رأس الهرم في السعودية قد يشكل فرصة لتقدم العلاقات بعد أن تزعزت ثقة الرياضبواشنطن بحسب عدة محللين. وأفاد مراقبون أن العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله لم يبنِ مع الرئيس أوباما علاقة شخصية قوية كتلك التي كانت تجمعه مع رؤساء آخرين مثل الرئيس السابق جورج دبليو بوش، بسبب الملفات الطارئة في المنطقة. وقال المحلل المتخصص في شؤون سياسات الشرق الأوسط فريديريك ويري أمس إن: «الخلافات بين السعودية والولاياتالمتحدة يمكن أن تبقى تحت السيطرة، لكن السعوديين يريدون المزيد من التعاون والتنسيق معهم».