هي قادرة على تحمل آلام الحصار، فالمحيطون بها يشعرون به، كما أنها تعودته منذ سنوات، بل وتجاوزت نتائجه، مرة بالصبر وأخرى بتعزية نفسها بمصائب غيرها من المحاصرين. لكن ماذا تفعل وقد دهمتها آلام أخرى جسدية، لا يستطيع حتى المحبون لها أخذ بعض منها، وليس لهم من حيلة سوى الدعاء لها والوقوف إلى جانبها، خصوصاً في ظل ضعف الإمكانات الطبية، فهي تعيش في «غزة» التي تجتمع فيها الآلام. السرطان هناك له وقع آخر وآلام لا تعترف بالمناطق الجغرافية، ولذا بدأ هذا المرض الخبيث ينهش جسدها وآلامه تذكرها بآلام أخرى ظلت كاظمة عليها سنوات طويلة. لم يتخيل الشيخ أحمد الدهشان (فلسطيني) أن يوجد قيد أشد إيلاماً من القيود التي يضعها المحتل في يده، ولكن حينما مرضت زوجته وأغلقت المعابر في وجهه، صدق ما كان يكذبه، ووجد أنه معتقل في معسكر أكبر بحصار قد لا يخرج منه إلا بعد خسارة زوجته. وتعاني زوجة الدهشان (44 عاماً) من ويلات المرض منذ فترة ليست بالقصيرة. ويقول أحمد ل«الحياة» في اتصال هاتفي من غزة، وهو يغالب الدموع إن المرض قد حوّل حياة زوجته إلى جحيم، واضطر الأطباء إزاء ذلك إلى استئصال جزء من جسدها، وليس لديهم حالياً سوى اللجوء إلى العلاج بالإشعاع الكيماوي، الذي لا يتوافر في قطاع غزة. ويتابع: «نحن مكونون من 14 فرداً، وظروف الحصار تمنع عنا الطعام والشراب والعمل، ولا نستطيع أن نجني طعامنا اليومي إلا بشق الأنفس، وعلى رغم هذه الظروف القاسية التي تجبرنا على تحمل الجوع، إلا أن مرض زوجتي أصبح هاجساً بالنسبة لنا، خوفاً من فقدانها». وناشد الدهشان أهل الخير بعلاج زوجته بالإشعاع الكيماوي، مؤكداً أن الكثيرين من أساتذة الجامعات والاختصاصيين نصحوه بنقلها إلى السعودية ليتم علاجها، أنهك المرض الزوجة المسكينة، ما جعلها تقاسي لحظات من الألم والخوف لا يخففها سوى وقفة أسرة وأقارب عاجزين محتارين، «إيماني الكبير بالله سبحانه وتعالى جعلني لا أفقد الأمل في علاجها، على رغم أن حالتها الصحية حرجة».