5 أسباب للتقليل من استهلاك الملح    7 خطوات بسيطة.. تملأ يومك بالطاقة والحيوية    نجل «سعد بن جدلان»: قصائد منسوبة لوالدي لم يكتبها    «النقانق والناجتس» تسبب العمى لطفل بسبب سوء التغذية    لحظة تأمل    46% من المشاريع للبناء والتشييد    تحالف خليجي لتوطين التحكيم التجاري    المملكة تدين استهداف المستشفى السعودي في الفاشر    سياسة مختلفة    أكذوبة محاربة الاحتكار الغربية    200 أسير فلسطيني مفرج عنهم ضمن اتفاق وقف النار    «صراع الصدارة» الاتحاد والهلال يواجهان ضمك والقادسية    ولي العهد ورئيسة وزراء إيطاليا يبحثان تعزيز العلاقات بين البلدين    الجمعان ومستقبل النصر    بعد اشتباكه مع قائد الفريق.. مدرب ميلان: اللاعبون كالأطفال بحاجة للتأديب أحياناً!    «بيدري» برشلونة يقترب من دوري روشن    مطالبة بإلزام المرافق الخدمية ب «المولدات الاحتياطية»    شرطة النعيرية تباشر واقعة شخص حاول إيذاء نفسه    "سلمان للإغاثة" يوزّع مواد إغاثية في مدينة حرستا بمحافظة ريف دمشق    طفاية الحريق في المركبة.. أمن وسلامة    الجوال السبب الأول لحوادث المرور في القريات    ليلة تكريم جميلة مطرَّزة بالوفاء والإخاء    نائب أمير مكة يستقبل المعزين في وفاة أخيه    مؤتمر «خير أُمّة»: محاربة الجماعات المنحرفة ومنعها من تحقيق أغراضها الباطلة    رضا الناس غاية لا تدرك    الزيارات العائلية    فعالية «مسيرة الأمم»    كيف يعشق الرجال المرأة.. وكيف تأسر المرأة الرجل؟    ضيوف برنامج خادم الحرمين يزورون معالم المدينة المنورة    أمير الشرقية يطّلع على إنجازات جامعة حفر الباطن    مزارع الريف    الرياض.. طفلة تحت المطر    دراسة: الإجهاد النفسي يسبب" الإكزيما"    «البرلمان العربي»: محاولات تهجير الفلسطينيين من غزة انتهاك صارخ للشرعية الدولية    "سلمان للإغاثة" يواصل تقديم المساعدات الإغاثية في بلدة جباليا شمال قطاع غزة    استئناف إصدار تأشيرات الدخول للسودانيين عبر سفارة المملكة في بورتسودان    المشكلة المستعصية في المطار !    السعودية نجم «دافوس»    اتفاقيات التعاون.. والتكاذب المؤسّسي    أسعار العقار بيننا وبين الصين!    ولاء بالمحبة والإيلاف!    نائب وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة (105) من طلبة كلية الملك فيصل الجوية    شريف العلمي.. أشهر من طوّر وقدّم برامج المسابقات المُتَلفزَة    وجناح «هيئة الأدب» يجذب الزوار    نيمار حدد موعد ظهوره بشعار سانتوس    طلال بن محفوظ - جدة    النصر يؤكد بقاء الثنائي العقيدي وغريب :"عيالنا .. كفاية إشاعات"    أمير منطقة القصيم يعزي أسرة الزويد.. ويوجه بتسمية قاعة بالغرفة التجارية باسمه    السعودية باختصار    السعودية وسورية: الرهان على الشعب السوري!    عمل بعيد المدى لوزارة الشؤون الإسلامية    محافظ الخرج يستقبل الرشيدي    ضيوف الملك.. خطوات روحية نحو السماء    تجمع الرياض الصحي الأول: نحو رعاية وأثر في ملتقى نموذج الرعاية الصحية 2025    الديوان الملكي: وفاة والدة الأمير فهد بن سعود بن محمد بن عبدالعزيز آل سعود بن فيصل آل سعود    رئاسة الحرمين.. إطلاق هوية جديدة تواكب رؤية 2030    بيان إمارة عسير بشأن انقطاع الخدمة الكهربائية في منطقة عسير    تمكين المرأة: بين استثمار الأنوثة والمهنية ذات المحتوى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أردوغان: من ثورة أتاتورك الى سياسة «نيو عثمانية»
نشر في الحياة يوم 24 - 10 - 2009

«أنا لا أستطيع التخلي عن شبر واحد من أرض فلسطين. لقد قاتل شعبي في سبيل هذه الأرض ورواها بدمه. فليحتفظ اليهود بملايينهم إذا مُزقت امبراطوريتي. لعلهم آنذاك يستطيعون أخذ فلسطين بلا ثمن. ولكن يجب أن يبدأ التمزيق بجثثنا».
هذا ما دوّنه ثيودور هرتزل في مذكراته حول ردّ السلطان عبدالحميد الثاني على العرض المغري الذي قدمه كثمن لشراء أرض فلسطين.
ومن المؤكد أن هرتزل كان يعرف جيداً خطورة الضائقة الاقتصادية التي تعانيها الدولة العثمانية. لذلك سعى بواسطة الوسطاء الى إقناع السلطان بأهمية حل مشاكله المالية مقابل السماح لليهود بالاستيطان في فلسطين.
في رده على هذا العرض، أصدر السلطان عام 1899 قوانين قاسية تحرّم استيطان اليهود في فلسطين. وأرسل الى حاكم القدس العثماني نسخاً من القوانين كي يوزعها على الهيئات القنصلية. وهي تتعلق بالزوار العبرانيين للأراضي المقدسة. وتقضي الإجراءات بإبعاد كل زائر بالقوة إذا هو تجاوز فترة الإقامة.
يقول المؤرخون انه نتيجة للمواقف الصلبة التي وقفها السلطان عبدالحميد الثاني ضد المشروع الصهيوني في فلسطين، قامت الدول الأوروبية بممارسة ضغوط سياسية واقتصادية أدت الى خلعه، وقد ساهم يهود تركيا (الدونمة) في خلع السلطان من طريق انخراطهم في «حزب الاتحاد والترقي». والمعروف أن الأكثرية الساحقة من يهود الدولة العثمانية قد هربت الى اسطنبول عقب سقوط الأندلس في قبضة الكاثوليك (1492) وإجبارهم في محاكم التفتيش على اعتناق المسيحية أو مغادرة إسبانيا.
إثر المشادة الكلامية في «دافوس» بين الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز ورئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان، ظهرت مقالات عدة في الصحف التركية تفسر الأسباب الخفية وراء انفعال أردوغان وتهجمه على إسرائيل. بعضها فسر غضب الزعيم التركي بأنه ردّ فعل على المأساة الإنسانية في غزة. بينما أشار عدد من الكتّاب الى عملية إسقاط السلطان عبدالحميد الثاني بواسطة الصهاينة، الأمر الذي دفع أردوغان الى «الثأر» له ولو بعد أكثر من مئة سنة.
ويبدو أن رئيس الوزراء كان يعبر عن مزاج الشارع بحيث وصفته يافطات الحشود الضخمة «بفاتح دافوس»... «وموقظ المارد» من سبات استمر أكثر من قرن من الزمن!
صحيفة «صباح» التركية وصفت وزير الخارجية أحمد داود أوغلو بأنه العقل المدبر وراء التغيير الجذري الذي طرأ على سياسة «حزب العدالة والتنمية»، وقالت ان كتابه «العمق الاستراتيجي» كان المدخل الى اختياره مستشاراً لرئيس الوزراء، ومن ثم وزيراً للخارجية. وهو يعترف بأن طروحاته لاقت الصدى المستحب لدى رئيس الجمهورية عبدالله غل الذي يؤمن بأن مستقبل تركيا هو في آسيا والشرق الأوسط وليس في أوروبا. كما يؤمن بأن الحزب قيّد تدخل الجيش في المجال المدني، واستطاع بعد حرب العراق، التغلب على معظم مشاكله الاقتصادية. ويستدل من نتائج الزيارة الأخيرة التي قام بها أردوغان لبغداد، ان تركيا ستساهم بقسط كبير في إعادة إعمار العراق. علماً أن حجم تجارتها مع إيران تعدى تسعة بلايين دولار. في حين تتوقع سورية مضاعفة حجم تجارتها مع هذه الجارة بحيث تقفز من بليون ونصف البليون دولار حالياً الى ثلاثة بلايين عام 2010. والأمر ذاته يمكن أن ينسحب على تجارتها واستثماراتها الواسعة في مصر.
يقول الوزير أوغلو إن إحلال السلام بعد حل جميع الخلافات مع الجيران، هما أبرز مبادئ السياسة الخارجية. وعليه يرى ان من الضروري إخراج تركيا من تعقيدات أزمة الهوية الناشئة عن التعارض المستمر بين الميل نحو الغرب كما حدده المؤسس كمال أتاتورك... وبين تراثها العثماني الشرقي، والثابت ان تركيا – أردوغان تبدو في هذه المرحلة كمن يبحث عن مهمة إقليمية جديدة تحل محل المبادئ الثقافية لثورة أتاتورك. أي الثورة التي قامت من أجل تغيير المجتمع من الداخل وفصله عن العالم العربي والإسلامي. لذلك يظهر التحدي أمام «حزب العدالة والتنمية» في القدرة على ضمان دور جديد في المنطقة من دون خيانة التراث الذي خلفته ثورة أتاتورك. ويرى المراقبون أنه في حال أثبتت تركيا بأن الإسلام والديموقراطية يمكنهما التعايش تحت سقف واحد، فإن ذلك يشكل نموذجاً لدول الشرق الأوسط.
مطلع الستينات دشن ديفيد بن غوريون تحالفاً سمّاه «تحالف المحيط» بهدف التخلص من الحصار العربي الذي عزل اسرائيل عن محيطها. وقد شجعه على اعتماد سياسة القفز فوق الحواجز التعاطف الذي أبدته ايران وتركيا اللتان كانتا في طليعة الدول التي اعترفت بإسرائيل عام 1949. ولم يكن انضمام إثيوبيا الى هذا التحالف مفاجئاً بسبب علاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة.
مع نهاية عصر مملكة هيلا سيلاسي في إثيوبيا، وظهور الثورة الإسلامية في إيران، اكتشفت تركيا أنه من الصعب التهرب من آثار المواجهة العربية – الإسرائيلية، والإبقاء على حيادها تجاه القوتين المتنازعتين منذ ستين سنة. لذلك أعلن أردوغان إلغاء مشاركة سلاح الجو الإسرائيلي في المناورات العسكرية التي كان من المقرر أن تجرى على الأراضي التركية. وكان من المفروض أن تستمر هذه المناورات قرابة شهر كامل بمشاركة الولايات المتحدة وإيطاليا وبعض الدول الغربية. وذكرت الصحف الإسرائيلية ان الجيش التركي توجه بصورة مفاجئة الى الجيش الإسرائيلي وأبلغه ان تركيا ترفض المشاركة بسبب العدوان على غزة. وبعد مرور فترة قصيرة أعلنت سورية ترحيبها بإجراء مناورات عسكرية مشتركة مع تركيا. وكان من الطبيعي أن تعبّر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية عن قلقها من نتائج التحالف الاستراتيجي بين سورية وتركيا، خصوصاً بعدما ألغت أنقرة صفقات عسكرية بينها صفقة الأقمار الاصطناعية.
الرئيس الأميركي أوباما أعرب عن قلقه من تعاظم الحلم العثماني الجديد «نيوعثمانية»، الذي تخلى عن عضوية الاتحاد الأوروبي وقرر إنشاء «كومنولث» بين تركيا وسورية وإيران ودول الجوار الآسيوية. ومع ان انقرة لم تلغ مشاركتها في حلف ال «ناتو» إلا أن اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، بدأ يلمح الى احتمال حظر استخدام القوات الأميركية لقاعدة «انجرليك» الجوية في جنوب شرقي تركيا. وهي قاعدة حيوية لنقل الإمدادات والأسلحة الى القوات الأميركية في أفغانستان والعراق. ولم يصدر عن أنقرة حتى الآن أي رد فعل بالنسبة الى هذا الموضوع البالغ الأهمية.
يجمع المعلقون على القول بأن تغيير مسار سياسة تركيا الخارجية لم ينشأ من فراغ، وانما كان حصيلة سلسلة أحداث أدى تراكمها الى اتخاذ هذا المنحى. فمن إصرار أوروبا على رفض انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي... الى تعاظم العنف المناهض للغرب بعد اندلاع حرب العراق... الى شن إسرائيل العدوان على غزة، هذه كلها عوامل مؤثرة دفعت حزب «العدالة والتنمية» الى تغيير خطه السياسي، ومن أهم مظاهر هذا التغيير كانت عملية تطبيع العلاقات مع أرمينيا. تضمن الاتفاق بين تركيا وأرمينيا ثلاث نقاط أساسية: 1 – فتح الحدود البرية بين البلدين. 2 – تبادل السفراء، 3 – تشكيل لجنة من المؤرخين لبحث قضية مذابح الأرمن ومراجعة أسبابها الحقيقية (1915 – 1916) خلال عهد السلطنة العثمانية. ذلك إن أرمينيا تقول أن عمليات التنكيل حصدت أكثر من مليون ونصف المليون قتيل، بينما أعلنت أنقرة مراراً ان العدد لا يتجاوز النصف مليون.
كان من المفترض أن يبحث الكونغرس الاميركي السنة الماضية في مشروع إبادة الأرمن، على أن يصدر بعد ذلك قرار الإدانة بحق تركيا. ولكن الإدانة لم تصدر لأن المجموعات اليهودية في الكونغرس عطلت الجلسات مخافة انعكاس نتائج القرار على التقارب التركي – الإسرائيلي. علماً بأن المؤرخ اليهودي المعروف برنارد لويس تحاشى الاعتراف بمجازر الأرمن في كل الكتب التي نشرها عن الشرق الأوسط. كما تحاشى زعماء إسرائيل وكتابها مقاربة هذه القضية إلا من خلال الموقف التركي الذي يقول إن الأرمن انحازوا الى روسيا، ولهذا دفعوا الثمن غالياً.
في مطلق الأحوال، تبقى عقدة التطبيع رهناً بإرادة لجنة المؤرخين، التي حدد اللوبي الأرمني في الولايات المتحدة نهاية عملها بعام 2015. أي ذكرى مرور قرن على الأحداث. ومعنى هذا أن أمام أردوغان ست سنوات تقريباً كي يحدد موقف بلاده من النزاع بين أرمينيا وأذربيجان. والثابت ان الرئيس السوري بشار الأسد يقوم بدور الوساطة بين الرئيس علييف والرئيس الأرمني سيرزا سركيسيان، كما يتوقع ان يتوسط بين رئيس وزراء اليونان جورج باباندريو وأردوغان من أجل تسوية موضوع احتلال القسم الشمالي من قبرص. وكان باباندريو قد زار نيقوسيا هذا الأسبوع وبحث مع الرئيس القبرصي ديميتريس خريستوفياس، مسألة إعادة توحيد الجزيرة في ظل دستور جديد يضمن حقوق الجاليتين. ويرى المراقبون ان إصرار أنقرة على إنهاء أزمة قبرص ليس أكثر من حلقة في مسلسل تطبيع علاقاتها مع كل الدول المعنية بسلام الشرق الأوسط.
تدعي وسائل الإعلام الإسرائيلية ان تركيا تسعى الى مصادرة دوري روسيا ومصر. أي إنها تمثل نقطة التقاء كل خطوط أنابيب الغاز، والمصب الأخير لهذه الطاقة المصدرة من روسيا وإيران وتركمانستان وأذربيجان. ومن المؤكد ان انفتاحها على أرمينيا وأذربيجان يعزز نفوذها في منطقة القوقاز والجمهوريات التي انفصلت عن الاتحاد السوفياتي. أما بشأن الادعاء انها صادرت دور مصر، فإن الإسرائيليين يريدون دق اسفين في العلاقات التركية المصرية على اعتبار ان زيارة الرئيس أوباما لاسطنبول كانت بمثابة اختيار دولة سنية غير عربية لموازنة نفوذ إيران الشيعية. علماً بأن أنقرة امتنعت عن انتقاد البرنامج النووي الإيراني، وأعلنت انها لن تسمح باستخدام أراضيها لضرب ايران، تماماً مثلما حظّرت استخدامها لشن الحرب على العراق.
يستخلص من كل هذا أن تركيا تسعى الى مد جسور التعاون والثقة مع دول المنطقة. كما تسعى الى بناء منظومة إقليمية تمتد من القوقاز الى البلقان والشرق الأوسط. والهدف من هذا التغيير، كما يقول الوزير أحمد داود أغلو، هو حماية المصالح الوطنية ومنع القوى الكبرى والقوى الخارجية من التدخل في سياسات دول هذه المنظومة!
ولكن، هل يسمح لهذه المنظومة بأن تتحد، أم انها ستلقى النهاية التي لقيتها منظومة دول أميركا اللاتينية؟!
* كاتب وصحافي لبناني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.