لا شك أن النفط هو عصب الاقتصاد العالمي الحديث والمحرك الأساسي لاقتصاديات جميع دول العالم على السواء، وأي اختلال في سعر السلعة الحيوية يؤدي الى انعكاسات مباشرة على اداء الاقتصاد العالمي نمواً او ركوداً، فالنفط هو سلعة سريعة التأثر بالإنتاج والمضاربات وسعرها اليومي يستند الى التداولات الآجلة. والملفت ان سعر برميل النفط تجاوز في وقت من الأوقات حاجز ال135$ وهو ارتفاع غير مسبوق حتى ان ارتفاع الطلب سنوياً أصبح على مستوى يزيد عن 3% من الحاجات العالمية ومن المتوقع ان ترتفع واردات النفط العالمية الى 120 مليون برميل يومياً عام 2020. وقد بينت الدراسات ان اسعار النفط ارتفعت الى اكثر من الضعف في غضون 5 سنوات وان ارتفاع اسعار النفط يؤدي بدوره الى ارتفاع اسعار السلع ويزيد من تكلفة الإنتاج ويؤدي لارتفاع مستوى المعيشة بشكل عام في جميع انحاء العالم. وتشير الإحصائيات أيضاً إلى أن الاقتصادات المتقدمة الكبيرة بدأت في زيادة مخزونها من خام النفط ما ساهم في الارتفاع في اسعار النفط منذ النصف الثاني من عام 2008. ومن الواضح أن الاتجاه العام لأسعار النفط هو التصاعد، فإن أي زيادة في اسعار النفط تلتهم جزءاً من مداخيل المواطنين الشهرية ما يشكل مشكلة اجتماعية تؤدي إلى تدهور الوضع المعيشي للمواطن واستهلاكه وازدياد كلفة المواصلات والإنتاج الصناعي وإضعاف القدرة التنافسية ما يقلل نسبة الأرباح ويساهم في عودة هيمنة القطاع العام على النشاط الاقتصادي ما يؤثر سلباً على الاستثمارات الخارجية وبالتالي يؤدي لارتفاع نسبة عجز الدول غير النفطية وازدياد معدلات التضخم وحصول ركود اقتصادي. ينبغي الإشارة إلى ان القفزة الكبيرة في اسعار النفط في الأسواق العالمية تعيق ازدهار الدول غير المصدرة للنفط اقتصادياً ولا سيما في غياب حلول وسياسات قادرة على الحد من المشكلة حتى لا تتفاقم في المستقبل وهي ترجع الى مجموعة من العوامل اهمها: - المضاربات الكبيرة التي تتم في الأسواق النفطية للمتاجرة بالعقود وزيادة طلب الهند والصين على الكهرباء بشكل غير مسبوق مع تحقيق نمو اقتصادي ملموس ادى الى زيادة الطلب على النفط. - تزايد الاستهلاك العالمي للنفط على المدى الطويل وزيادة معدل النمو السكاني والاقتصادي العالمي يتطلب المزيد من الطاقة لتوفير الحاجات الاساسية للسكان ولتشغيل المصانع وزيادة الانتاج فذلك يلعب ايضاً دوراً مباشراً في ارتفاع اسعار النفط. - كما لا بد من التأكيد ان هبوط سعر الدولار لعب دوراً في ارتفاع اسعار النفط، بخاصة أن العلاقة عكسية بين سعر النفط وسعر صرف الدولار. - تفاوت اهتمام الدول المصدرة للنفط في توسيع الاستثمارات وعدم بذل الجهد اللازم لتحسين الإنتاج لمواكبة الطلب العالمي والاختناقات في عمليات تكرير البترول في العديد من البلدان المستهلكة له. ومن هنا فإن من الضروري البدء بعمل جدي يرتكز على النقاط الآتية: 1- تعزيز الاحتياطات الأجنبية والمدخرات في الدول غير المصدرة للنفط ما يزيد قدرتها على معالجة ديونها الخارجية ويساعدها في تخفيض مديونية القطاع العام، والسعي في تأهيل ما هو قائم من وسائل إنتاجية من خلال إمكانيات جديدة وكفاءات بشرية. 2- ضرورة الإسراع في تكثيف الجهود الإقليمية ودعم القطاعات الإنتاجية وتعزيز دور الإدارة الاقتصادية من خلال التعاون بين الدول المستهلكة والدول المنتجة الرئيسة وإطلاق برامج لترشيد استخدام الطاقة بينهما وذلك من خلال تقديم جهود وطنية والتفكير بجدية في وضع الحلول الملائمة وتنفيذها بطريقة شفافة. 3- إسناد دور اكبر للقطاع الخاص لأن له دوراً اساسياً ومحركاً في التطور الاقتصادي بالإضافة الى إعادة توزيع مدروس للثروات الوطنية عبر اعتماد آليات جديدة ومنفتحة من خلال دراسات مستفيضة تشجع على الاستقرار الاقتصادي. 4- ضرورة قيام الدول غير المنتجة للنفط بتحرك سريع وخطوات جريئة لتضافر جهود المعنيين لبناء مصاف للتكرير تساهم في تخفيف كلفة استيراد المشتقات وتوسيع فرص العمل المجدية فيها وزيادة صادراتها. 5- وأخيراً يجب على الحكومات العربية العمل على تعزيز الأبحاث والتعاون العلمي العربي ما يساهم في توفير شروط نظم محلية تتفاعل ايجابياً مع التطورات الاقتصادية الدولية التي سيكون لها أثر اكبر في التنمية الاقتصادية بين الدول المصدرة للدول المستوردة للنفط. * رجل أعمال