ال«توك شو» التلفزيوني، لا يأخذ في عالمنا العربي كل معنى المفردة الإنكليزية الساخرة والترفيهية إلا بوجود محاور قوي بثقافة عامة. والقوة هنا، ليست الاقناع عبر السخرية المتوفرة من طريق بهلوانيات وجه وحركات أو قدرة على إضحاك وارد من كلام مقصود لهذا الغرض. لا، «الشو» الحقيقي يعتمد على الرصيد الثقافي، وعلى الاطلاع بخلفية وسيرة الشخص المدعو كما على ترتيب الفقرات. اما التقديم فليس هدفه مراعاة التشويق السهل الإدراك، بل ذلك الذي يزرع الشوق للمعرفة والتعرف الى الضيف. هذا التحديد الضروري أملاه النجاح المتواصل جماهيرياً في المغرب لبرنامج «رشيد شو» الذي يقدمه الفكاهي رشيد العلالي على القناة الثانية. وهو الآتي من عالم التفكه البسيط إلى عالم الحوار التلفزيوني، بعدما كان يقدم اسكيتشات ثنائية خفيفة تابعاً في ذلك تقليداً يتأسس على النكتة أكثر منه على السخرية الإبداعية. تقديم البرامج والتفكه مجالان مختلفان لا يلقيان نجاحاً حين لا تعضدهما مكونات مشتركة من قبيل إمكانية طرح السؤال المناسب الذي ينير جوانب من شخصية أو حياة نجم معروف، ومن قبيل استغلال الوقوف أمام الجماهير الجالسة أمام التلفزيون لزرع ضحكة حقيقية ومنحى ساخر مستمدين من الواقع ومن الجديد خبراً كان أم حدثاً بارزاً. إلا أن ما يحدث في العديد من الحلقات هو العكس، وهو ما يُطالعنا حين يغرق البرنامج في التسلية المبالغ فيها. ولقد مرت بالبرنامج العديد من الأسماء الشهيرة في عالم التلفزيون والسينما والمسرح. وهذا طبيعي بحكم جاذبية الفكرة التي ينبني عليها وبفضل جماهيريتها لدى المشاهدين. ويحدث أن يكون الضيف من عالم مغاير كالسياسة مثلاً حينما استدعى وزير الشبيبة والرياضة السابق محمد أوزين في سابقة هي الأولى من نوعها في التلفزيون المغربي، والذي أبان عن خفة دم لم تسعفه حين تمت إقالته أخيراً من الحكومة في شكل مدوي. أما بالنسبة الى الحلقات العادية فقد طغى فيها البوح الشخصي والتطرق إلى بعض الحياة الفردية والمهنية ومسيرة الوصول إلى الشهرة. وما يطغى هنا هو تعمد التنكيت البسيط والتوريط في ما هو جانبي أكثر منه التوظيف كي تتميز الوجبة التلفزيونية برقي محمود. ومن حسن حظ مقدم البرنامج أن بعض الضيوف لا يدع الحبل على الغارب، وهو ما حصل مثلاً في حلقتي الفنانة القديرة لطيفة أحرار التي لم تنح قط سوى جهة العمق والرصانة. هي التي دافعت باستمرار وبقناعة عن أدوارها الجريئة على خشبة المسرح حين أدت دوراً بلباس البحر في عمل الشاعر عدنان ياسين المأخوذ من قصيدة له، كما عند حديثها عن مواقفها تجاه أمور الشأن العام. الأمر ذاته، لوحظ في حلقة الممثل هشام بهلول في خروج إعلامي منتظر بعد أشهر من نجاته بمعجزة من موت محقق بعد حادثة سير خطيرة، اذ كان مثالاً لحالة فنان- انسان هو الذي مزج في حياته ما بين مسيرته كبطل رياضي سابق ومشواره في الدراما العربية والمغربية والسينما. ويقيناً أن هذا «التوك شو» المسلي جديد على المشهد التلفزيوني المغربي، على غرار برامج مماثلة شهيرة عربياً وغربياً. وسيضيف له حتماً أن يستمد منها بعض مميزاتها وصفاتها ووصفات نجاحها كي يجعل له الطابع الأكثر جاذبية والأقل سطحية. وما الانتقاد الذي وجهه له أخيراً الفنان والمثقف محمد الشوبي إلا علامة على ضرورة أن يصعد درجة أعلى. الانتقاد الذي رد عليه مقدم البرنامج بكونه مجرد غيرة من نجاحه. ولا نظن ان الأمر بهذه البساطة، فهما كانت جماهيرية البرنامج كبيرة، إلا ان المواجهة لا تكون على هذا النحو مع شخص ذي حمولة فنية وثقافية مشهود لها. العلاقة العمودية هذه من دون خلفية معرفية واسعة قد لا تؤدي دوماً إلى النجاح... فالسخرية أمر جاد.