وسط زحمة القنوات الفضائيّة في العالم العربي عموماً وفي مصر خصوصاً، ومع سيل البرامج السياسيّة والفنيّة والحواريّة، صار من العسير جدّاً أن يلفت برنامج معيّن انتباه الناس ويستقطبهم وصولاً لأن يصبح البرنامج الأكثر شعبيّةً وحظياً بالترقّب والمشاهدة، بالإضافة إلى تعرّضه إلى سيل من الاتهامات والانتقادات. وهذا ما حققه برنامج «البرنامج» لمعدِّه ومقدِّمه، الطبيب الجرّاح والإعلامي المصري باسم يوسف. فهذا البرنامج النقدي السياسي الساخر الذي تبثّه قناة «سي بي سي» المصريّة الساعة الحادية عشرة من مساء كل جمعة، لا يمكن اعتباره طازج الفكرة رغم كونه عالي السقف لجهة النقد. إذ سبقته برامج لبنانية كثيرة من هذا النوع أبرزها «بس مات وطن» على قناة «أل بي سي»، إضافة إلى مسلسلي «مرايا» و«بقعة ضوء» السوريين لجهة السخريّة السياسيّة مما تشهده المجتمعات والدول العربيّة، نتيجة ظلم واستبداد الأنظمة الحاكمة... من دون أن ننسى اختلاف أسلوب الطرح والمعالجة بين هذه المسلسلات وبرنامج «البرنامج». كما أن الأخير، يُسجّل له الكثير، من حيث حديّة المواجهة الساخرة، ووضوح النقد الموجّه للمؤسسات السياديّة المصريّة (الرئاسة، الحكومة، البرلمان، الجيش...) وجرأته بالإضافة إلى التعرّض للمعارضة، وانتقاد الإسلام السياسي بكل رموزه في شكل حازم. كانت النقلة النوعية ليوسف في عالم الأضواء حين حمّل حلقات برنامجه «باسم يوسف شو» على موقع يوتيوب في 8 آذار (مارس) 2011، وشاهده «ما يزيد عن خمسة ملايين في الأشهر الثلاثة الأولى فقط»، بحسب صفحة التعريف بالبرنامج على الموقع الإلكتروني لقناة «سي بي سي». وفي ما بعد، حصل على فرصة إنتاج برنامج سياسي ساخر على التلفزيون، ما جعله الأول في الشرق الأوسط الذي ينتقل برنامجه من على الشبكة العنكبوتيّة إلى التلفزة. البدايات كانت عبر شاشة «أون تي في» المصريّة التي يملكها رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس. وفي ما بعد، انتقل يوسف وبرنامجه، إلى قناة «سي بي سي» المصريّة التي يملكها رجل الأعمال المصري محمد الأمين. يحاول يوسف استخدام كل الوسائل والأدوات الممكنة التي تجعله شديد السخريّة والعمق في نقده، حتّى لو اضطره ذلك إلى توظيف بعض الحركات المسرحيّة - الكوميديّة أثناء توجيه انتقاداته، إلى جانب استضافته لمثقفين وكتّاب وفنانين للتحاور معهم حول شؤون الثقافة والسياسة وشجونهما. وبما أن انطلاقة «البرنامج» كانت من «يوتيوب» كملفّ فيديو، فإن يوسف في برنامجه هذا، يعتمد على المنتجة، والاستفادة للحدود القصوى من ملفات الفيديو الموجودة على مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع قنوات التلفزة والصحف والمنابر الإعلاميّة الأخرى. وذلك عبر اصطياد حاذق ولئيم للتصريحات والخطابات والمواقف والأحداث، إمّا للتعليق عليها، وإما لمقاربتها بما يناقضها من تصريحات صادرة عن الشخص نفسه! ولم تقتصر لعبة يوسف الذكيّة على استهداف رموز ورجال الإسلام السياسي، بدءاً بالرئيس المصري محمد مرسي، وانتهاء برجال دين سلفيين و»أخوان» آخرين، بل تعدّى ذلك ليصل إلى رجال الإعلام والثقافة. وذلك في سياق تقديم لوحة كوميديّة هزليّة نقديّة عميقة، تفضح بؤس الحال المصريّة وتخبّطها. أدخلت تقنيّة يوسف في «البرنامج» كثيرين في رعب أن يصبحوا «فريسة» قنصه يوماً ما، ما وضعهم أمام خيارات عدّة: إمّا أن يتوقّفوا عن تنزيل ملفّات الفيديو الخاصة بتصريحاتهم وخطاباتهم وبرنامجهم على شبكة الإنترنت، وإمّا أن يتنبهوا، أو يعتادوا على انتقادات يوسف. هذه السخرية الباذخة والقويّة التي جسدها يوسف، تنطوي على حالة غضب ونقمة شديدة مما يجري في مصر من امتطاء للثورة وهدر قيمها، إضافة إلى الانقسامات العميقة، أفقيّاً وعموديّاً، في النسيج الاجتماعي المصري، والتي تزداد بتأثير الحكّام الجدد لمصر. ومما لا شكّ فيه أن الأسلوب الساخر الذي اعتمده باسم يوسف في برنامجه «البرنامج» جعل المشاهد في العالم العربي والمهجر، يترقّب «البرنامج» ترقّبه لمشاهدة عمل مسرحي كوميدي مميّز وعميق وصارخ ومن العيار الثقيل، كل أسبوع. وبذلك يبدو أن يوسف اختار المواجهة، عبر نجاحه في رسم البسمة العريضة على وجوه الملايين في هذا الزمن المترع بالبؤس والضجر والرعب. فهل سيستمر في مواجهته، خصوصاً بعد قرار النائب العام في مصر طلعت عبدالله بفتح تحقيق قضائي معه بتهمة إهانة رئيس الجمهورية محمد مرسي؟