دعا المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية واتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا أمس المسلمين إلى «التحلي بالهدوء» و«احترام حرية الرأي»، عشية صدور أول عدد من صحيفة «شارلي ايبدو» التي استهدفها هجوم إرهابي الأربعاء الماضي أدى إلى مقتل 10 من عامليها إضافة إلى شرطيين، وعلى غلافه رسماً جديداً مسيئاً للإسلام. ولفت تحذير مفتي مصر الدكتور شوقي علام الصحيفة الفرنسية من نشر رسوم مسيئة، مندداً ب «فعل عنصري يؤجج الكراهية والصراع بين الشعوب»، علماً أن مسؤولي الصحيفة أعلنوا أنهم سيطبعون 6 ملايين نسخة من عدد غد، في مقابل 60 ألف نسخة تصدرها الصحيفة عادة، وسيترجم إلى 16 لغة ويباع 300 ألف نسخة في 25 بلداً، حيث لم تبيع إلا 4 آلاف نسخة قبل الاعتداءات. وكانت شارلي ايبدو التي تشارف على الإفلاس وجهت في تشرين الثاني (نوفمبر) نداء لجمع تبرعات، ولكنها لم تحصل إلا على بضع عشرات آلاف اليورو في نهاية السنة، في حين أرادت حصد مليون يورو. وكان 15 من عاملي الصحيفة استأنفوا العمل منذ صباح الجمعة في مقر صحيفة ليبيراسيون اليسارية التي احتضنتهم في باريس، مستخدمين أجهزة كومبيوتر وضعتها صحيفة «لوموند» في تصرفهم. وقال ريشار مالكا، محامي الصحيفة: «إذا كانت الصحيفة معادية للإسلام فالواقع أننا نتعرض للإسلام بدرجة اقل بكثير مما نتعرض للمسيحية». وتابع: «شارلي ايبدو ليست صحيفة عنيفة، لكنها مشاكسة». وأقرّ مالكا بأن التظاهرات التاريخية التي شهدتها فرنسا احتجاجاً على الاعتداءات، تضع فريق «شارلي ايبدو» في موقف حرج. وقال: «إننا الصحيفة التي تحقق أقل قدر من التوافق على الإطلاق، ونجد العالم كله اليوم ملتحماً من حولنا». ومنح نادي الصحافة في لوس أنجليس «جائزة دانيال بيرل للشجاعة والنزاهة الصحافية»، إلى صحيفة «شارلي ايبدو». وكان بيرل صحافياً في «وول ستريت جورنال» حين قتله تنظيم «القاعدة» عبر قطع رأسه في باكستان عام 2002. في غضون ذلك، اكد وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لو دريان أن بلاده لن تنسحب من العمليات العسكرية التي تشارك فيها في الخارج بعد اعتداءات باريس التي حصدت 17 قتيلاً خلال 3 أيام الأسبوع الماضي. وقال: «من الضروري القضاء تماماً على مقاتلي تنظيم داعش، والعدو هو نفسه على الأرض هنا»، في إشارة إلى نشر 10 آلاف جندي فرنسي لحماية المواقع الرئيسية في أنحاء البلاد. وتساهم فرنسا بأكبر عدد من الطائرات والقوات بعد الولاياتالمتحدة في التحالف الدولي لمحاربة «داعش» في العراق، لكنها لا تستهدف التنظيم في سورية. كما تنشر حوالى 3500 عسكري في منطقة الساحل والصحراء الأفريقية لتعقب مقاتلين مرتبطين بتنظيم «القاعدة». وهي كانت تدخلت عسكرياً في مالي في كانون الثاني (يناير) 2013 لطرد مقاتلين متشددين. وصوّت البرلمان الفرنسي لاحقاً على تمديد المهمة العسكرية الفرنسية في العراق بعد 4 أشهر على إطلاقها. ودعا اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، المقرّب من الإخوان المسلمين، مسلمي فرنسا الذين يناهز عددهم 5 ملايين، إلى التحلي بالهدوء وتفادي الردود العاطفية وغير المناسبة، واحترام حرية الرأي». وقال رئيس المرصد الوطني لمكافحة معاداة الإسلام عبد الله زكري: «احتراماً لذكرى ضحايا شارلي ايبدو لن نعلق على استفزاز العدد الجديد الذي واصل النهج المعتاد ضد الإسلام». تزامن ذلك مع إصدار القضاء الفرنسي للمرة الأولى إدانات بتهمة «تبرير الإرهاب»، وهو جرم أدرج في القانون الجنائي في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، إذ حكم على شاب في ال21 من العمر في تولوز (جنوب غرب) بالسجن 10 أشهر مع النفاذ وأودع السجن، بعدما أعلن في الترامواي تضامنه مع منفذي الهجوم الشقيقين شريف وسعيد كواشي. وروى شهود أن الشاب الذي تنقل في الترامواي بلا بطاقة، هتف موجهاً كلامه إلى موظفي تدقيق البطاقات: «الشقيقان كواشي ليسا إلا البداية، كان يجب أن أكون معهما لقتل مزيد من الناس». وصرح النائب العام باتريس ميشال: «يجب عدم التراجع ذرة واحدة عن تجريم التبرير العلني لأعمال إرهاب». وفي تولون (جنوب)، حكم على رجل في ال27 من العمر بالسجن سنة بعدما نشر على فايسبوك صور جهاديين، وتصريحات تبرر هجمات باريس، لكنه ما زال طليقاً نظراً إلى عدم طلب النيابة سجنه فوراً. وقال محاميه إن «المتهم كان يقصد المزاح والاستفزاز». وفي ستراسبورغ (شمال شرق) ونيس، أرجئت محاكمتا رجلين بالتهمة ذاتها إلى موعد لاحق، لكنهما ابقيا قيد الحجز. ونشر الأول على فايسبوك صورة بندقية وذخائر على الأرض تحمل تعليقاً بخط اليد يقول: «قبلات حارة من سورية، وداعاً شارلي». واتهم الثاني بتوجيه الكلام مرتين إلى شرطيين أمام مركز أمني في حي يسوده توتر هاتفاً «مئة في المئة كواشي». إلى ذلك، دين أشخاص بتهمة ارتكاب أعمال عنف في تولوز وأورليان (وسط)، بعدما هددوا بقتل شرطيين بسلاح كلاشنيكوف. مشبوه موقوف في بلغاريا على صعيد آخر، أعلنت النيابة العامة في منطقة هاسكوفو جنوببلغاريا أن الفرنسي فريتز جولي يواكين الذي أوقف في الأول من الشهر الجاري لمحاولته عبور الحدود إلى تركيا على متن باص تمهيداً للتوجه إلى سورية، «يشتبه في ارتباطه بشريف كواشي». وأوردت مذكرة توقيف أصدرتها فرنسا في حق يواكين (29 سنة) انه «اتصل مرات بشريف قبل رحيله إلى تركيا في 30 كانون الأول (ديسمبر)». وكانت نيابة هاسكوفو قالت في مرحلة أولى إن مذكرة توقيف أوروبية صدرت في حق يواكين بعدما اتهمته زوجته بخطف ابنهما البالغ 3 سنوات في 30 كانون الأول بهدف الانضمام معه إلى صفوف «جهاديين» في سورية وتربيته على التطرف الإسلامي. وأعيد الطفل لاحقاً إلى والدته. ونقلت مذكرة التوقيف عن زوجة الفرنسي انه اعتنق الإسلام قبل 15 سنة، وبدأ يتشدد في العامين الأخيرين. لكن صحيفة «بريسا» نقلت عنه قوله في جلسة استماع قضائية: «أنا مسلم، لكنني لست متشدداً ولا إرهابياً»، مضيفاً: «أردت قضاء عطلة في إسطنبول مع ابني ورفيقتي التركية على أن أعود إلى فرنسا بعد عشرة أيام». ووافق يواكين على مبدأ تسليمه إلى فرنسا، وهو ما سيبت القضاء البلغاري به الجمعة. وأكد وزير الداخلية البلغاري فيسلين فوشكوف أن «رصد الأفراد الذين يمرون عبر بلدنا وتوقيفهم ليس مشكلة. لكن مئات من مواطني الاتحاد الأوروبي الذين يحملون أوراقاً ثبوتية قانونية يستطيعون عبور أراضي بلغاريا بسهولة للقتال إلى جانب تنظيم داعش أو منظمات إرهابية أخرى، ثم العودة إلى بلادهم بلا قلق. إذا لم يتم إخطارنا في شأنهم يصعب تنفيذ أي شيء حيالهم». وتمتد الحدود البلغارية التركية المشتركة على مسافة 275 كيلومتراً. في الولاياتالمتحدة، أفادت شبكة «سي أن أن» أن أحمدي كوليبالي، عضو خلية كواشي» الذي قتل في باريس الجمعة بعدما أردى 4 أشخاص، أدرج «منذ فترة» على اللائحة الأميركية للإرهاب التي تضم حوالى مليون اسم.