على رغم الفشل النسبي للدعوة إلى الإضراب العام في مصر التي وجّهتها «حركة 6 أبريل»، التي وُلدت رقمياً على الإنترنت (وتحديداً موقع «فايسبوك» Face Book)، فان الفضاء الإفتراضي سجّل سابقة تاريخية في قدرته على استيلاد حركة سياسية فعلياً من رحم الألياف الضوئية للشبكة الدولية للكومبيوتر. وتذكيراً، فثمة علاقة وثيقة بين هذه الحركة التي صارت جزءاً من المشهد السياسي في بلاد النيل والإنترنت. ففي شهر نيسان (أبريل) من العام الماضي، سجّلت شبكة الإنترنت يؤازرها الهاتف النقّال، سابقة في العلاقة بين الشبكة العنكبوتية والسياسة في العالم العربي، حينما نجحت دعوة مجموعة من الشباب المصري على موقع «فايسبوك» (من أبرز مواقع الشبكات الاجتماعية على الإنترنت) في تحريك الشارع ودفعه الى أحد أضخم الإضرابات في تاريخ مصر الحديث. وبفضل حراكهم على الشبكة العنكبوتية الدولية (وكذلك حركة الأيدي التي تداولت رسائل «أس أم أس») التزم ملايين المصريين المنازل. بدا حينها الأمر مُذهلاً، خصوصاً أن الشارع المصري لم يشهد إضراباً ولا حراكاً مماثلاً منذ فترة طويلة. وتكاد تقتصر حركاته الاحتجاجية على تظاهرات الطلاب، إضافة إلى بعض مظاهر الإحتجاج ذات الطابع الضيق أو النخبوي. ولم يقتصر أمر نجاج «فايسبوك» في هزّ المياه الراكدة على الإضراب. فبفعل إصرار رجال الأمن على إفشال دعوة الإضراب في مدينة «المحلة الكبرى» (مركز صناعة النسيج في الدلتا)، اندلعت تظاهرة عمالية كبرى، تردّدت أصداؤها في وادي النيل. عند ذلك الحدّ، أدّت الإنترنت (والخليوي) الدور الذي عرفته في تظاهرات مناهضة العولمة في الغرب، بمعنى العمل كوسيلة للإتصال ونشر الأفكار والدعاوى، خارج أطر رقابة مؤسسة الدولة، التي عجزت عن كبح هذه القدرة في الإنترنت، سواء في الولاياتالمتحدة أو في مصر. إذاً، مع فشل «حركة 6 أبريل» في تحريك الشارع، يصعب أن يقال ان الإنترنت حقّقت أكثر من ذلك مصرياً. ولو نجح الإضراب لسار الكلام في مجرى آخر. واستطراداً، يصعب التغاضي أيضاً عن الأثر الذي باتت الشبكة العنكبوتية قادرة على توليده في غير بلد عربي، كما يدل عليه اعتقال غير مُدوّن رقمي (بلوغر) عربياً بدعوى نشر الإضطراب سياسياً، كما حدث في مصر وتونس والبحرين وغيرها. الإنترنت بوابة ملكية للسجن أصبح عدد المسجونين عالمياً من الصحافيين الرقميين أخيراً أكثر من زملائهم ممن يعملون في الوسائل الإعلامية الأخرى، وذلك للمرة الأولى تاريخياً. ويعدّ هذا الأمر انعكاساً للتأثير المتزايد لصحافة الانترنت والآراء المنشورة إلكترونياً. وأورد التقرير السنوي ل «لجنة حماية الصحافيين» Committee for Protection of Journalists (مقرّها نيويورك) أخيراً، أن 45 في المئة من الصحافيين السجناء هم من المُدوّنين الرقميين والصحافيين العاملين في مواقع إلكترونية. وبيّن أن صحافيي التلفزيون شكّّلوا نسبة 6 في المئة منهم، والصحافيين الإذاعيين 4 في المئة، وصانعي الأفلام الوثائقية 3 في المئة. ورصد أنه في عام 2008، أُدخل 125 من صحافيي الانترنت الى السجن. وظلّت الصين تتصدر لائحة أسوأ الدول التي تسجن المُدوّنين الإلكترونيين للسنة العاشرة على التوالي، تليها كوبا وبورما وإريتريا وأوزبكستان. ووفقاً للتقرير عينه، يقبع قرابة 56 صحافياً رقمياً في السجون. ويتزايد عددهم بصورة مطردة منذ سجلت «لجنة حماية الصحافيين» أول حال سجن لكاتب على الإنترنت في عام 1997. ويمثّل صحافيو المطبوعات الورقية والمحررون والمصورون ثاني أكبر فئة إعلامية تعرضت للاعتقال. إذ وصل عدد المسجونين منهم إلى 53 في عام 2008. وشهدت الآونة الأخيرة إطلاق «مبادرة الشبكة العالمية» ضمن مسعى لمناهضة القمع الحكومي للتعبير على الانترنت. وانضمت شركات «ياهو» و«غوغل» و«مايكروسوفت» إلى هذه المبادرة. وأوضح التقرير المذكور أن زيادة حالات سجن صحافيي الإنترنت رافقها ارتفاع في معدل سجن الصحافيين المستقلين. وأرجع ذلك إلى أن معظم «البلوغرز» وصحافيي الإنترنت يعملون كمستقلين. ولا يملكون غالباً الموارد القانونية أو السياسية أو العلاقات التي قد تساعدهم في الحصول على حريتهم. وغالباً ما توجه تهم بالعداء للدولة، سواء بالتخريب وإفشاء الأسرار أم العمل ضد المصالح الوطنية، كمبرر لسجن الصحافيين. ووجد التقرير أيضاً أن نحو 59 في المئة من الصحافيين سجنوا بناء على مثل هذه التّهم. وتعتبر الصين وكوبا نموذجين واضحين من تلك الممارسة القمعية. وبلغ عدد الصحافيين السجناء الذين لم يواجهوا تهماً رسمية نحو 13 في المئة. وتستخدم بلدان مثل إريتريا وإسرائيل وإيران والولاياتالمتحدة وأوزبكستان، أسلوب إعتقال الصحافيين من دون تهمة، ولفترات غير محددة، تجنّباً للتقيّد بالإجراءات القانونية. ويوجد ما لا يقل عن 16 صحافياً محتجزين في أماكن سرية، من بينهم الصحافي الغامبي «الزعيم» إبريما مانه، الذي لا يزال مكان وجوده ووضعه القانوني وحالته الصحية أموراً سرية منذ اعتقاله في تموز (يوليو) 2006. وطالب عدد من المراقبين الدوليين السلطات الغامبية بإطلاق سراحه، خصوصاً أنه سجن على خلفية محاولة نشر تقرير انتقادي بحق رئيس غامبيا يحيى جامع. «سور القمع» للإنترنت في الصين واعتبر التقرير الصين مضرب المثل في سجن الصحافيين الرقميين، إذ اعتُقِل 24 منهم من أصل 28 صحافياً سجيناً. وتشمل قائمة سجناء الرأي في الصين هيو جيا وهو ناشط بارز في مجال حقوق الإنسان ومُدوّن إلكتروني. ويقضي حالياً عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة بسبب كتابات على الانترنت انتقد فيها الحزب الشيوعي الحاكم. وأدين ب »التحريض على تقويض سلطة الدولة»، وهي تهمة شائعة الاستخدام من جانب السلطات في الصين لسجن أصحاب الكتابات الانتقادية. ويوجد ما لا يقل عن 22 من الصحافيين المسجونين في الصين على خلفية هذه التهمة وما يشبهها من التهم المتعلقة بمعاداة الدولة. ووضع التقرير عينه أوزبكستان في المرتبة الخامسة بين البلدان الأشد قمعاً للإنترنت. إذ يوجد في سجونها ستة «بلوغرز»، من بينهم دزامشيد كريموف ابن شقيق رئيس البلاد. وعمِل كريموف مراسلاً لمواقع إخبارية مستقلة على الإنترنت. ويحتجز قسراً في مستشفى للأمراض العقلية منذ 2006. وأخيراً، لاحظت «لجنة حماية الصحافيين» أن من الصعب إعطاء تعريف صارم لصحافة الانترنت. في المقابل، تدأب اللجنة على تقويم عمل ال »بلوغرز» وكتّاب الانترنت بعناية، لتحديد طبيعة المحتوى الرقمي، كي تحسم إذا كان تقريرياً أو رأياً مبنياً على حقائق. وفي المجتمعات القمعيّة، حيث الإعلام التقليدي يخضع للقيود، تعمد اللّجنة لإجراء بحث شامل للأعمال الصحافية المنشورة على الإنترنت، في سياق تقويم محتوى الصحافة الرقمية.