أثارت مذكرة التفاهم مع شركة «شل» لاستغلال غاز البصرة لغطاً واسعاً في العراق، لأسباب كثيرة، منها ان الاتفاق تحقق من خلال محادثات ثنائية، وليس من طريق مناقصة، بحسب ما تقتضيه القوانين، كما ان المذكرة تمنح الشركة امتيازاً احتكارياً لمدة 25 سنة لاستغلال الغاز في محافظة البصرة، أغنى محافظات العراق نفطياً. ويقضي الاتفاق بأن تؤسس بين «شل» و «شركة غاز الجنوب» شركة لاستغلال الغاز المصاحب للنفط. ويُعتبر هذا الاتفاق الأول من نوعه بين دولة عضو في منظمة «أوبك» وشركة نفط عالمية تُمنح الأخيرة فيه حق الاحتكار لاستغلال الغاز المصاحب. وأُثيرت في هذا الصدد تساؤلات كثيرة حول الاتفاق مع «شل» على مصير الغاز، فهل ستتوافر كميات كافية منه لاستغلاله محلياً لتغذية محطات الكهرباء وكلقيم في مصانع البتروكيماويات والأسمدة وغيرها من الصناعات مثل الإسمنت والحديد والألمنيوم؟ أم هل ستصدّر «شل» الكميات المتوافرة إلى الخارج من دون مراعاة حاجات الطلب الاستهلاكي العراقي؟ وطبعاً، ثمة سؤال يُطرح حول الجهة التي ستحدد حاجة البلد من الغاز الطبيعي قبل تصدير المادة. وإضافة إلى كل ذلك، هناك السؤال الأهم: ما هو سعر الغاز الذي سيُؤمّن للصناعات المحلية ومن سيقرر هذا السعر؟ للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها، أجريت مقابلة مع وزير النفط العراقي الدكتور حسين الشهرستاني في فيينا في منتصف الشهر الماضي. ونُشرت المقابلة باللغة الإنكليزية في نشرة «ميس» النفطية الأسبوعية، وارتأيت وضعها بين يدي القارئ العربي أيضاً، نظراً إلى النقاش الواسع في العراق وفي أكثر من بلد عربي حول التوافق في الأولويات بين استغلال الغاز الطبيعي في الصناعات المحلية وتصديره إلى الخارج، وكذلك السعر المحلي المناسب للغاز. في ما يتعلق بأهداف الاتفاق، قال الدكتور الشهرستاني: «يحرق العراق الغاز المصاحب منذ فترة. ودُمّر جزء كبير من شبكة الغاز القطرية بسبب الحروب خلال العقود الماضية. في الوقت ذاته، ان البلاد في حاجة ماسة لتغذية محطاتها الكهربائية. من ثم، درسنا إمكان العمل مع شركة نفط عالمية لديها الخبرة الوافية في مجال الغاز الطبيعي من أجل تجميع الغاز المصاحب الذي يُحرق في البصرة، والذي يبلغ حجمه نحو 500 مليون قدم مكعبة يومياً، وتأمين الغاز الجاف لمحطات الكهرباء ومصانع البتروكيماويات والأسمدة وغيرها، والغاز الإضافي للتصدير. إلا أننا لم نحدد سقفاً لكمية الغاز الذي سنحتاجه للاستهلاك المحلي. فالذي أوضحناه في مذكرة التفاهم التي وقعناها، ان الشركة المشتركة ستؤمّن لنا أي كمية من الغاز الذي يُجمّع وتسلمه الى السلطات العراقية للاستعمال على الصعيد الداخلي. وأن أي غاز إضافي تحدد كمياته السلطات العراقية ممكن تصديره، إما من خلال خط للأنابيب أو من خلال تسييله. وتعهدت «شل» من جانبها تشييد محطة عائمة لتسييل الغاز. من ثم، فإن خيار التصدير من خلال التسييل وارد». أما في ما يتعلق بتوقيع عقد مهم من هذا النوع من خلال مفاوضات ثنائية، بدلاً من إحالته إلى مناقصة عالمية، قال الشهرستاني ان سبب التفاوض مع شركة «شل» بدلاً من اللجوء إلى أسلوب المناقصات يعود إلى ان هذا العقد «ليس من نوع عقود تطوير الحقول، يتبعه اتفاق للبيع. نحن نتكلم هنا عن اختيار شريك ل «شركة غاز الجنوب» (المملوكة من الحكومة) لتأسيس شركة مشتركة». وأضاف: «هذه ليست المرة الأولى التي نؤسس فيها مشاريع مشتركة بين شركاتنا الوطنية والشركات الأجنبية. لقد وقعنا عقوداً مشابهة مع شركات حفر، إذ دعونا شركات أجنبية الى تأسيس شركات مشتركة مع الشريك المحلي». وأكد الوزير العراقي: «وبالنسبة إلى مشروع الغاز، بادر الجانب العراقي إلى صوغ بنود الاتفاق. كما سيتملك الجانب 51 في المئة من الشركة الجديدة، وسيعرض الجانب العراقي معدّاته كثمن لحصته فيها. وستثمّن شركة ثالثة قيمة معدّاتنا في الشركة. أما الغاز الطبيعي، فيبقى ملكاً للحكومة العراقية، فهو ليس جزءاً من الاتفاق». وفي ما يخص سعر الغاز، قال الشهرستاني: «سيكون للشركة حق حصري بكل الغاز المصاحب في البصرة. لكن الجانب العراقي سيبيعها الغاز. وسيحدد الاتفاق النهائي سعر الغاز الذي سيُباع لمحطات الكهرباء والمصانع العراقية. وفي كل الأحوال، فإن العراق هو الذي سيحدد السعر المحلي». وأوضح: «ان السعر الحالي للغاز في العراق هو 50 ديناراً للمتر المكعب. أما السعر المستقبلي فمن المحتمل ان يكون أكثر من ذلك بقليل». * كاتب متخصص في شؤون الطاقة