تربط الأحسائيين ب«الحمام المطوق» أو ما يُعرف ب«حمام يا كريم»، علاقة مميزة، ترجع إلى سنوات قديمة جداً، ولعل التسمية الثانية والأكثر رواجاً، كانت سبباً في تقدير سكان الأحساء لهذا الطائر، المنتمي لفصيلة الحمام المحلي، فقد كان يعتقد، بحسب المعتقد المحلي، ولزمن قريب أن هذا الطائر المميز بصوته «من أكثر الطيور ذكراً لله»، وهديله الفصيح الذي يردد «يا كريم» كان سبباً رئيساً في هذا التعلق. يقول عبد الرحمن العوض: «نتفاءل كثيراً بهذا الطائر الجميل، الذي يعشق الحرية ويكره الأقفاص، بل لا يمكن أن يعيش فيها، ويمكن أن ينهي حياته داخلها، فقد خلقه الله حراً طليقاً، إذ يعشق وبصورة رئيسة النخيل التي يتنقل بينها وهو يردد وبصوت واضح يا كريم يا كريم، وكان ولفترة طويلة محط إدهاش الجميع، وكأنه إحدى المعجزات الإلهية». ويشير إلى أن «كثيرين يحترمون هذا الطائر، بل ويمتنعون عن إيذائه احتراماً ل«ذكره الله»، حتى أنه إذا اختار البقاء في إحدى نوافذ المنزل، لا يمس أبداً، بل يُحترم ويُعامل معاملة خاصة، ولا أدري إلى الآن ماهية هذه العلاقة الغريبة بين هذا الطائر وبين الإنسان الأحسائي». ومضيفاً «على رغم أنها من أكثر الطيور خوفاً من الإنسان، إلا أنها تتمتع بحساسية خاصة في اختيار النوافذ التي ستحولها إلى مقر لأعشاشها، فهي تتخير المنازل الهادئة جداً، ولعلها تدرس الموقع قبل اختيارها، لذا كان يشار إلى أصحاب تلك المنازل التي تجاور نوافذها هذه الحمامة بالمنازل الطيبة الهادئة المسالمة». تقول آمنة عبد الهادي (66 سنة): «كنا سابقاً إذا ذهبنا إلى المزارع وسمعناها تردد يا كريم، كنا نحرص على تقليدها، والغريب أنها لا تتوقف عن هذه العبارة، إلا بعد مدة طويلة، وكان آباؤنا يحرصون على تعليمنا الرأفة بالحيوان وخصوصاً هذا الطائر، وأذكر أنهم كانوا يحذروننا من إلحاق الأذى به، وأن من يفعل ذلك سيُصاب بالعمى، ويمكن أن يموت لأنها شبه مقدسة في ظنهم». وتقول: «إن من يسمعها لا يستطيع إلا أن يقف متعجباً من هذا الطائر الغريب، فنطقه فصيح واضح، وما أجمل الصباح في المزارع وهذه الطيور تحوم فوقه وتردد يا كريم»، مضيفة «من المعروف عن هذه الحمامة أنها تحب الخصوصية بشكل كبير، وتكره التدخل في شؤونها، حتى أنه لو لمس أحد بيضها، تمتنع عن العناية بها، وتتركها، ولا أدري ما السر في ذلك». وشغلت هذه الحمامة عقول الكثيرين، ولعل أسرارها الغريبة التي لا تزال محط تساؤل الكثيرين، كانت مرتبطة بمعتقد يوناني قديم، حيث ذكرت الكتب القديمة أن هذه الحمامة كانت خادمة جميلة، خلصتها الآلهة اليونانية مما هي فيه من الشقاء، فحولتها إلى حمامة جميلة، تنعم بالحرية وبسيرة عشقها الممنوعة، وكانت تسمى في الكتب اليونانية «streptopelia decaocto»، وتعرف عربياً ب«الحمام المطوق» ومحلياً ب«حمام يا كريم». وتتميز هذه الطيور بلونها البني الفاتح، ولون ظهرها يشبه جلد الإنسان، ومنها أبيض ناصع للإناث، وفي عنقه من الأعلى طوق أسود، ولا يميز الذكر من الأنثى إلا الخبراء في عالم الطيور، لتشابههما الشديد. وتتغذى على كل أنواع الحبوب، والديدان الصغيرة، والفواكه والأغصان الغضة، ويعرف أن الذكر يجلب مواد البناء، والأنثى تتفنن في بناء العش، ومن المعروف أن الأنثى ترقد على البيض ليلاً والذكر صباحاً، وتسهر الأنثى مع أطفالها عند الفقس بعكس الذكور. ويعيش حمام يا كريم حوالي 14 عاماً، ولا يتعدى طول جسمه 34 سم، ويبقى أحد الألغاز المحيرة، التي لم تخضع للدراسة والبحث، ويوجد بكميات كبيرة في مزارع الأحساء.