تترقب إسرائيل، حكومةً وجيشاً، بقلق حقيقي تطورات انضمام الفلسطينيين إلى المحكمة الجنائية الدولية لإدراكها المخاطر الكامنة لمسؤوليها السياسيين والعسكريين والضباط الميدانيين في تقديمهم للمساءلة القانونية. ويبدو أن هذه المسألة تؤرق سدنة الدولة العبرية أكثر بكثير من احتمال توجه الفلسطينيين مجدداً إلى مجلس الأمن لاتخاذ قرار بإنهاء الاحتلال خلال 3 أعوام لإدراكهم أن الولاياتالمتحدة ستجهض المشروع، أو في أسوأ الأحوال يتخذ المجلس قراراً لا تحترمه إسرائيل كما فعلت مع قرارات سابقة. وكان رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو سارع إلى عقد جلسة مشاورات مع ممثلي الوزارات المختلفة وقادة أذرع المؤسسة الأمنية للبحث في سبل عرقلة التوجه الفلسطيني للمحكمة الجنائية، واتخذ قراراً بتعليق تحويل نحو 130 مليون دولار للسلطة الفلسطينية من مستحقات ضريبية لها تجبيها إسرائيل، وتوعد بعقوبات أخرى تصعيدية لحمل الفلسطينيين على سحب طلبهم. وكانت إسرائيل أعلنت، استباقاً لاحتمال تعرض جنودها وضباطها الميدانيين لشكاوى بارتكاب جرائم حرب، أن «وحدة التحقيق في الجيش» (النيابة العسكرية) شرعت في التحقيق في شبهات بارتكاب جنود جرائم خلال العدوان الأخير على قطاع غزة (الجرف الصامد)، ما أثار غضب نحو 250 ضابطاً وجندياً في الاحتياط من الوحدات القتالية المختلفة رفعوا أمس رسالة احتجاجية إلى قيادة الجيش ضد ما وصفوه ب «جنون التحقيق مع الجنود» بداعي أن من شأنه أن يؤثر على معنويات الجنود في الحروب المقبلة ويردعهم. كما طالبوا بأن يقوم ضباط كبار بالتحقيق مع الجنود «وليس أشخاص لا يفقهون شيئاً في سير المعارك وطابع الحرب». وأشارت صحيفة «هآرتس» في افتتاحيتها إلى أهمية إجراء تحقيق جدي في انتهاك القانون الدولي خلال الحرب الأخيرة على غزة «من أجل تخفيف الضغوط الدولية، وتعزيز مناعة الجيش الإسرائيلي». وأشارت إلى أنه عاجلاً أم آجلاً سيتم التحقيق في حادثتين على الأقل، الأولى قتل فيها 27 شخصاً من عائلة أبو جمعة في خانيونس، جميعهم مدنيون، خلال قصف الطيران الحربي منزلهم في 20 تموز (يوليو) الماضي، وحادثة «يوم الجمعة الأسود» في الأول من آب (أغسطس) في رفح حين قتل الجيش الإسرائيلي 130-150 مدنياً فلسطينياً في عملية (مجزرة) لمنع خطف الجندي هدار غولدن. ونددت بمحاولة الجيش، بالتعاون مع المستوى السياسي، إظهار عملية الجرف الصامد «نجاحاً عملانياً جبى ثمناً اضطرارياً ومعقولاً من الضحايا» الفلسطينيين. وناشدت قيادة الجيش عدم التشويش على إجراء تحقيق جدي وإظهار الحقيقة للرأي العام. وكانت الصحيفة استذكرت حقيقة أن الجيش «حقق مع نفسه» بعد عملية «عمود السحاب» قبل عامين في 82 حادثة، لكنه لم يتخذ أي إجراء انضباطي أو جنائي ضد أي من الضالعين فيها. ويؤيد أساتذة القانون الدولي الإسرائيليون أن يجري الجيش «تحقيقاً مع نفسه» لتفادي جر مسؤولين إسرائيليين إلى المحكمة الجنائية الدولية، إذ ينص «مبدأ التكامل» في القانون الدولي على ألا تتدخل هيئات قضائية دولية أو أجنبية في التحقيق في شبهات ارتكاب دولة جرائم حرب في حال أبدت الدولة ذات الصلة المباشرة بالأحداث قدرة ورغبة وقامت بالتحقيق الجدي في الشبهات، أي أن الهيئة القضائية الدولية تحل محل هيئة قضائية محلية فقط كمخرج أخير، وفي حال عدم قدرة الدولة على التحقيق أو عدم رغبتها في تنفيذ واجبها بتحقيق يضمن تقديم مرتكبي الجرائم للعدالة. وسبق ل «لجنة غولدستون» التي حققت في الحرب على غزة أواخر عام 2008 (عملية الرصاص المسبوك) أن اعتبرت التحقيقات التي قام بها الجيش الإسرائيلي في شبهات ارتكاب جرائم حرب «لاغية ملغية». وفي حال توصلت اللجنة الجديدة التي عينتها الأممالمتحدة للتحقيق في الحرب الأخيرة على القطاع إلى استنتاج مماثل، فستكون طريق مسؤولين وضباط إسرائيليين إلى المحكمة الدولية أقرب، خصوصاً في حال تم قبول فلسطين عضواً في «معاهدة روما» التي أنشأت المحكمة، وهو ما يبعث على قلق إسرائيل.