الاعتراضات التي وصفت قرار لجنة نوبل منح الرئيس الاميركي باراك أوباما جائزة نوبل للسلام هذا العام ب «السابق لأوانه» محقة تماماً، وقد تدفع لجنة نوبل ثمناً باهظاً للتسرع في قرارها، الذي بني على نوايا لم تختبر حتى الآن على أرض الواقع، ويدور شك مبرر حول إمكانية أن تشق طريقها للتنفيذ. فإدارة الرئيس باراك أوباما تحرص بشدة على تقديم نفسها في ثوب سياسي مختلف عن إدارة الرئيس بوش الابن، برفعها شعاري «الانفتاح السياسي على خصوم الأمس والحوار معهم»، و «تصفية الحروب المباشرة التي ورثتها عن الإدارة السابقة في العراق وأفغانستان، واستعادة هيبة الولاياتالمتحدة باستخدام القوة الذكية». وعلى رغم أنه من السابق لأوانه الحكم على سياسات أوباما في الأشهر التسعة الأولى من حكمه، أو التشكيك في رغبته في الابتعاد عن الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبها سلفه، أو التقليل من النتائج الإيجابية على البشرية الناجمة من توقف إعصار نزعة القوة العاتية لإدارة بوش الابن، إلا أنه يجب رصد التغيرات العملية لسلوك واشنطن، والحد من بناء مواقف وتصورات تتلهف لمفاضلة أخلاقية وسياسية بين الرئيسين أوباما وبوش الابن، أو بين نائبيهما بايدن وتشيني. فالولاياتالمتحدة الاميركية في عهد أوباما لم تتخلَ بعد عن سعيها لأن يكون القرن الحادي والعشرون قرناً اميركياً، ولم تراجع بعد استراتيجيات تأمين مصالحها ومصالح حلفائها في العالم، ولم تفكك عناصر هذه الاستراتيجيات، التي لا تفصل بوضوح بين الجهود الديبلوماسية والسياسية والاقتصادية والعسكرية لتأكيد سيطرة الولاياتالمتحدة الاميركية على العالم، التي شكلت ديدن خطط الإدارات الاميركية في العقود الثمانية الأخيرة، بدءاً من إدارة فرانكلين روزفلت (1932 1945)، وصولاً إلى إدارة بوش الابن (2001 2009)، تارة باحتواء الخصوم بجاذبية النموذج الاميركي، وتارة بالاحتواء العنيف الذي دفعها لارتكاب أكثر من 250 عدواناً وتدخلاً في القارات الخمس منذ عام 1945، أودت بحياة ملايين البشر. أبشعها إشعال حرب أهلية في اليونان (1949) قتل فيها (154) ألف مواطن يوناني، وشن حرب على فيتنام (1954 1975)، أبيد فيها أربعة ملايين فيتنامي، وتدبير انقلاب سوهارتو ضد رئيس اندونيسيا سوكارنو عام 1967، أبيد فيه مليون من الاندونيسيين في عمليات إعدام جماعية، وانقلاب على الرئيس سلفادور اليندي في تشيلي عام 1973، أعدم فيه الآلاف من مؤيديه، وحصار العراق منذ عام 1991 حتى احتلاله في نيسان (ابريل) 2003، وقضى في الحصار والحرب على مدار ثمانية عشر عاماً متواصلة أكثر من مليوني مواطن عراقي، واحتلال أفغانستان 2001، الذي يناهز عدد الضحايا المدنيين فيه حتى نهاية 2008 أكثر من ثمانمائة ألف أفغاني. وهذا يدلل على أن الحروب الاميركية غير المباشرة، لم تكن بنتائجها وكلفتها البشرية والأخلاقية أقل وحشية وهمجية من كلفة الحروب الاميركية المباشرة، وللاستنتاج السابق صلة وثيقة بمخاطر خطة «الاستراتيجية العسكرية الاميركية في القرن ال21»، الموضوعة من قبل باراك اوباما ونائبه جو بايدين، والتي قد تؤدي تطبيقاتها العملية لانحراف سياسات إدارة أوباما لسياسات شبيهة بسياسات إدارة بوش الابن، وإن اختلفت معها بالشكل وآليات التنفيذ. فالخطة الاستراتيجية العسكرية لأوباما وبايدن تنطلق من تقليص التواجد العسكري الاميركي التقليدي في الخارج، جنباً إلى جنب مع الحفاظ على التفوق النوعي العسكري المطلق، وإعادة هيكلة القدرة العسكرية وفقاً لذلك، بإعطاء الأهمية القصوى لإنتاج وتحديث أنظمة السلاح، لكافة تشكيلات القوات المسلحة، لتحقيق هدف واحد فقط، هو زيادة «القوة الشمولية الاميركية»، وخاصة «المحافظة على التفوق العسكري في الجو»، برصد موازنات كبيرة للصناعات العسكرية الجوية لتأمين احتياجات القوات الجوية الاميركية، بما يمكنها من القيام بعمليات حربية لفترات طويلة في الشرق الأوسط. وتخصيص تمويلات مالية كبيرة لاستمرار الاستراتيجية الاميركية التقليدية «السيادة في البحر»، حيث تدعو خطة أوباما بايدن إلى «التفوق المطلق الاميركي في القوى البحرية الحربية». عدا ذلك، العقيدة الجديدة تتضمن التزام إدارة أوباما «بنشر السيادة الاميركية في الفضاء». وحسب خطة أوباما بايدن، إن العنصرين الأساسيين للسياسة العسكرية لإدارة أوباما هما متابعة مهمة قوات الناتو في أفغانستان، والحفاظ على الشراكة الاستراتيجية مع (إسرائيل)، وأولى المهمات الحساسة للولايات المتحدة الاميركية في القرن 21 هي توطيد التكامل الداخلي للحلف الأطلسي. والمهمة الأخرى التي توازيها هي الحفاظ على التفوق العسكري النوعي ل (إسرائيل)، وفي كلتا المهمتين هناك خطر ماثل للعيان بانحراف الاستراتيجية العسكرية لإدارة أوباما نحو التورط في شن حروب عدوانية جديدة، على الأغلب أنها لن تخوضها مباشرة، بل عن طريق وكلاء. وما تراجع إدارة أوباما عن نشر الدرع الصاروخية الدفاعية في أوروبا إلا ضرورة فرضتها اعتبارات اميركية خالصة، بعد تفجر الأزمة الاقتصادية الطاحنة، فهذا المشروع يعدّ من أكثر المشاريع العسكرية تكلفة من حيث النفقات المالية. وأشار إلى ذلك مدير هيئة الرقابة الحكومية الاميركية بول فرينسيس في تقريره للكونغرس. والطريق ما زالت طويلة ومتعرجة نحو «عالم خال من الأسلحة النووية، تجسداً للقرار 1887، وسيكون على العالم أن يبقى في دائرة الانتظار القلق حتى تنجلي الأمور في القمة التي ستعقد حول الأمن النووي في واشنطن أبريل 2010. ويلف الضباب مصير جهود إعادة بناء العملية التفاوضية في الشرق الأوسط، بعد سبع جولات فاشلة لجورج ميتشل. لذلك من حق الكثيرين اعتبار منح أوباما جائزة نوبل للسلام تسييس للجائزة، يهدف إلى ترميم صورة الولاياتالمتحدة الاميركية، لكن الترميم يحتاج إلى أكثر من نوايا ووعود، فهناك الكثير من الأعمال على إدارة أوباما القيام بها قبل أن يستحق رئيسها هذا التكريم. * كاتب فلسطيني