يبدو أن السجال في مجلس الشورى السعودي حول «الوثيقة السكانية» للمملكة سيُحدث سابقة تفتح الباب أمام احتمالات تعديل نظام المجلس لتفادي رفع ما يعرف ب«قرار سلبي» إلى الملك. فقد انقسم أعضاء المجلس أمس (الثلثاء) عند التصويت على الوثيقة المنادية بخفض الخصوبة من خلال تنظيم المباعدة بين الولادات، إذ رفضها نصف عددهم فيما أجازها النصف المتبقي. وقال أمين المجلس الدكتور محمد آل عمرو، في بيان، إن التصويت سيعاد، وإذا خرج بالنتيجة نفسها فسيرفع الأمر إلى الملك للبت فيه. ومثل الجلسة السابقة، فقد حشد أعضاء «الشورى» خبراتهم في الشؤون الطبية والعسكرية والسياسية لإدارة السجال حول الوثيقة. (للمزيد) وكان أبرز الآراء التي قوبلت ب«التصفيق» تحذير اللواء المهندس ناصر العتيبي من أن الحرب الإلكترونية ليست كافية وحدها لحسم نتائج الحروب، «وهذا ما أفشل الحلفاء في حربهم ضد (تنظيم) داعش». ووصف الرافضون الوثيقة بأنها «كسنجرية»، وجددوا رميها بإباحة «الجنس الآمن». غير أن المؤيدين حاولوا تعضيد توجهاتهم بنتائج الدراسات في شأن المباعدة بين الولادات، وما يترتب على زيادة الخصوبة السكانية من تبعات صحية وأمنية. وأحدث انقسام أعضاء مجلس الشورى حول خفض الخصوبة ورفعها سابقة أجلت حسم أمر «الوثيقة السكانية للمملكة» حتى يتنازل أحد الفريقين عن رأيه. واعتبر العضو فهد العنزي هذا الانقسام «ثغرة في نظام عمل المجلس يجب أن تُعالج لكي لا يُرفع للملك ما يعرف قانونياً بالقرار السلبي». واستمر أعضاء الشورى في جلسة أمس في تقديم البراهين حول نقطتي الخلاف في الوثيقة السكانية (خفض الخصوبة ورفعها، والشبهة حول مصطلح «الصحة الإنجابية»)، وكانت الحجج تنطلق من منظور كل عضو، بحسب خلفيته العسكرية، والسياسية، والشرعية، والطبية. وانتهى النقاش حول الوثيقة بتكرار «سيناريو» تشرين الأول (أكتوبر) الماضي برفض نصف الأعضاء لرأي لجنة الإسكان التابعة للمجلس المُطالب برفع الخصوبة، ورفض النصف الآخر لرأي الحكومة الداعي إلى خفضها عبر تنظيم المباعدة بين الولادات. وذكر أمين مجلس الشورى آل عمرو بعد الجلسة أن المادة ال31 من اللائحة الداخلية للمجلس تنص على أن يعاد التصويت، وإن حدثت النتيجة نفسها يرفع الأمر للملك للبت فيه. ولم يوفق الأعضاء في التوصل إلى صيغة توافقية ترضي الطرفين، أبرزهم الدكتور عدنان البار الذي أصرّ عليه أكثر من 10 أعضاء أن يدلي بدلوه في المباعدة بين الولادات بحكم تخصصه الطبي والبحوث التي أجراها. وقال البار - مستنداً إلى بحوث علمية موثقة أجراها مع الدكتورة منى آل مشيط -: «الإنجاب لا بد أن يكون بين ثلاث سنوات كحد أدنى، ولا يزيد على خمس سنوات كحد أعلى، وغير ذلك فيه خطورة على صحة الطفل والأم». وتساءل العضو فايز الشهري: هل الوثيقة إكسسوارات دولية أم خدمة لمصلحة فرق وأفكار لا تهدف الهدف الصحي المنشود منها؟ ووصف الشهري الوثيقة ب«الكسنجرية» نسبة إلى مؤسسها هنري كسنجر في سبعينات القرن الماضي، قائلاً إن هدفها تحديد النسل. ورأت العضو موضي الدغيثر أن مصطلح الأممالمتحدة «الصحة الإنجابية» يهدف إلى إشاعة الجنس والعلاقات المثلية وحمل المراهقات. وقالت إن المصطلح الأممي «مطاط، وأدخلت ضمنه العلاقات السوية والشاذة، ووضعت له بنود وتطبيقات تعتبر أن العلاقات الجنسية أمر طبيعي»، مطالبة باستبداله بمصطلحات دينية توافق الخصوصية السعودية. وذكرت العضو سلوى الهزاع بحسب خبرتها الطبية أن تقارب الولادات سبب في تفاقم أعداد مرضى السكري، وارتباطه مباشر بتزايد الأمراض الوراثية. فيما أشارت العضو هيا المنيع إلى أن الدراسات الاجتماعية تربطه بشكل واضح بارتفاع معدل الجريمة لدى الأسر الفقيرة الكبيرة العدد.