تؤسس القمة السعودية – السورية لمرحلة جديدة في العلاقات العربية لا تقل تحدياتها صعوبة ودقة عن المرحلة السابقة التي طبعتها الخلافات والسياسات المتعارضة. فتفكيك ما بناه كل فريق من فرقاء الخلاف العربي في المرحلة السابقة يحتاج الى جهد من أجل إنجاح عملية الانتقال الى مرحلة من التعاون في مواجهة التقلبات المتسارعة على الساحتين الإقليمية والدولية، ان في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني، أو في ما يتعلق بتزايد العقبات أمام إحياء مفاوضات السلام بين العرب وإسرائيل. وإذا كان من الطبيعي أن يبني قادة الدولتين على ما هو ثوابت عربية من خلال قرارات القمم العربية، التي اتخذت حتى في ظل تصاعد الخلاف، من أجل استعادة صيغ التنسيق والسياسات المشتركة، وتوحيد المقاربات للملفات العربية الساخنة التي كانت موضوع خلاف، وفي طليعتها الملف اللبناني، فإن الأمر يحتاج الى ابتداع تسويات خلاقة تثبّت عودة الوئام والتعاون بينهما. فلبنان شكل سبباً رئيساً للخلاف بين الدولتين خلال السنوات الماضية وتحديداً منذ عام 2005، ولا بد من أن يشمل التوافق بينهما هذه الساحة وينعكس فيها، إضافة الى الساحة الفلسطينية. وإذا كان يفترض أن ينتج التوافق السعودي - السوري دفعاً للبنانيين كي ينجزوا حكومة وحدة وطنية طال انتظارها، وتعطّل قيامها، فإن هذا التوافق يفترض أن يشكل رافعة تساعد على تحقيق المصالحة الفلسطينية المعطلة هي الأخرى منذ عام 2007. وإذا كانت سورية استطاعت منذ عام 2006 تعطيل حكم الأكثرية في لبنان، والتي كانت على علاقة تحالف وصداقة مع المملكة العربية السعودية، فإنها فعلت ذلك بعد انسحابها من لبنان، بالتحالف مع إيران، وبالاعتماد على حلفاء محليين مختلفين عن مرحلة إدارتها السابقة للقرار السياسي اللبناني قبل عام 2005، حيث سلّمت ل «حزب الله» بأنه الحليف الرئيسي ومعه الحليف الرئيسي للحزب زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون. وقد تمحور الصراع في مرحلة الخلاف العربي، حول من يمسك القرار السياسي في السلطة في لبنان، وسعت سورية الى تعطيل هذا القرار السياسي بعدما اعتبرت أن إجبارها على الانسحاب من لبنان والحؤول دون إدارتها لشؤونه هو انقلاب عليها نظراً الى أن لبنان ساحة حيوية لنفوذها ولدورها الإقليمي. وعلى رغم النفوذ الذي ظلت تتمتع به في لبنان عبر حلفائها، فإنها لم تنجح في استعادة الإمساك بقراره السياسي على رغم نجاحها في تعطيل هذا القرار. وفي المقابل لم ينجح المحور الآخر العربي – الدولي الذي كانت السعودية من أركانه في تكريس قيام قرار سياسي مستقل في مركز السلطة اللبنانية على رغم نجاح هذا المحور في الحؤول دون عودة سورية الى السيطرة عليه، كما كانت تفعل قبل عام 2005، على رغم أن سورية أضافت العامل الإيراني الداعم الى عناصر نفوذها في لبنان. وليس بعيداً من الواقعية قول البعض في وصفه للحقائق ان النتيجة العملية للصراع العربي على لبنان كانت «تعطيل» كل فريق لمشروع الآخر حيال البلد الذي على صغره تهتم الدول المحورية بالاحتفاظ بقدر عال من النفوذ فيه، أو بالسيطرة على قراره كما هو الأمر بالنسبة الى سورية. وإذا كان هناك فريق لبناني رأى في الدور السعودي حيال لبنان دعماً له على استقلال قراره عن سورية، فإن ثمة قوى عديدة في هذا الفريق تسلّم بأن القدر الممكن من الاستقلالية لا يعني إنكار نفوذ سورية فيه. وإذا صح ذلك، فإن زمن عودة التوافق العربي، بعد زمن الصراع، يفترض تسوية دقيقة حول قدر من الاستقرار في السلطة المركزية في لبنان تعكس العودة عن سياسة تعطيلها. وإذا صح ذلك ايضاً، فإن الدقة في صوغ التسوية الموازية للمصالحة في لبنان، تكمن في كيفية احتساب النفوذ السوري الذي يطمئن دمشق الى مصالحها الحيوية فيه. وأين موقع العامل الإيراني في هذه التسوية وفي هذا النفوذ؟ وهل ان طهران تسلم لدمشق بأن تتولى التسوية بالنيابة عنها فيه، ام ان القيادة السورية تحتاج، نظراً الى علاقتها الاسترتيجية بإيران الى شراكتها، للإقلاع عن تعطيل قيام السلطة اللبنانية؟