أثارت مصادقة الحكومة الاسرائيلية على اضافة مليار ونصف مليار شيكل (400 مليون دولار أمريكي)، للموازنة العسكرية النقاش حول مكانة الجيش ومدى تاثيرها على متخذي القرار في اسرائيل. فهذه الزيادة على وجه الخصوص اعتبرها الكثيرون تجاوزاً لكل حدود، اذ ان الموازنة العسكرية لهذه السنة هي الاكبر والأضخم منذ قيام الدولة العبرية فيما الزيادة الجديدة ستكون على حساب تقليص موازنات وزارات مختلفة وستمس بشكل خطير في قطاعات الرفاه والصحة، على وجه الخصوص. ولكن يبدو ان طلب الجيش الاسرائيلي الحصول على المزيد من الأموال لا حدود له وهو في ذلك يؤكد من جديد انه قادر على تنفيذ كل قرار يتخذه او مطلب يقدمه. فعلى رغم التهديدات التي اطلقتها قيادة احزاب الائتلاف الحكومي، وعلى رغم ما يسببه اقتطاع الاضافة المطلوبة للجيش من نواقص في مجالات الرفاه والصحة، الا ان القيادة العسكرية في اسرائيل نجحت في الحصول على مطلبها. وكما وصف مطلعون على تفاصيل الموضوع فإن رئيس اركان الجيش، غابي اشكنازي، أعلن بكل صراحة انه «اذا لم تقر طلباتنا فإنكم وحدكم تتحملون المسؤولية... واجبنا ان نبلغكم اننا نحتاج الى المزيد من التدريبات وتوفير منظومات دفاعية وضمان اسلحة قتالية متطورة». اما وزير المالية، يوفال شطاينتس الذي دعم الجيش في طلباته فقد خرج في يوم نقاش الموضوع بتصريحات ركز فيها على ضرورة ضمان متطلبات قوات الدفاع المدني لحماية أمن السكان. وبتصريح شطاينتس هذا وصلت «مناورة» الزيادة للموازنة العسكرية الى ذروتها، اذ في الوقت الذي اطلق فيه شطاينتس تصريحاته ابلغت «الجبهة الداخلية»سكان منطقة الجنوب والمركز اجراء تدريب على صفارات الانذار وفحص جهوزيتها وفي الوقت نفسه روّج الجيش لتدريبات على سفينة «دولفين» التجسسية هي الاولى من نوعها، اذ انها ستستغرق شهراً كاملاً وستكون، بحسب ادعائه «نوعية في كيفية مراقبة وملاحقة العدو». من حظ الجيش وجود نجاد تحت هذا العنوان خرج معارضون لزيادة الموازنة العسكرية ولعل الانتقاد الذي وجهه، نحاميا شطرسلر، المعروف بكتاباته الصريحة هو الاقرب الى حقيقة ما يحدث. فقد وجه انتقادات لاذعة لا تخلو من السخرية والتحذير منها قوله «من حظنا نحن الاسرائيليين... بل من حظ جيشنا وجود احمدي نجاد»... واضاف: «يجلس الوزراء منطوين من الخوف يصغون لحديث اشكنازي ومستعدين في نفس اللحظة لمنح رئيس اركان الجيش حتى رواتبهم الشخصية لكي يتوقف فقط عن الحديث عن المخاطر الامنية التي تواجهها اسرائيل وحاجة الجيش للمزيد من الاستعدادات... والتي تعني المزيد والمزيد من الاموال». ويضيف شطرسلر: «بصراحة الجيش الاسرائيلي ووزارة الدفاع يجعلان منا اضحوكة. قواعد الادارة السليمة والانضباط المالي في الموازنة لا تنطبق عليهما. وهما يأخذان من كعكة الموازنة القشطة، فيما يبقيان للمجتمع والرفاه الفتات. وهكذا فبدل أن تكون لنا دولة يوجد لها جيش، عندنا جيش توجد له دولة»، يقول شطرسلر. والمتابع لتصريحات المسؤولين الأمنيين والعسكريين يلاحظ تكثيف تقاريرهم حول ما تتعرض له اسرائيل من مخاطر سواء من طرف ايران أو سورية و «حماس» و «حزب الله» وفي الوقت نفسه تركيزهم على الحاجة للمزيد من المنظومات الدفاعية واجهزة المراقبة والوسائل التي تساعد الجيش على احباط عمليات ضد اهداف اسرائيلية. هذه التقارير والتصريحات وصلت ذروتها قبل ثلاثة ايام من طرح زيادة الموازنة العسكرية على الحكومة في الوقت الذي كان بنيامين نتنياهو يعقد لقاءات لحشد التأييد لقرار تقليص الموازنة، ونشرت التقارير والتصريحات الواحدة تلو الاخرى: - جهاز الأمن يتخوف من ان تكون «حماس» تستعد لجولة قتالية جديدة في القطاع اذ تشير التقارير الاستخبارية الى ان «الحركة تنوي اسكان عائلات فلسطينية في كرفانات على طول الجدار الفاصل للحدود مع غزة بغرض الحفر من داخلها لأنفاق تشكل اماكن اختباء للمخربين استعداداً لمواجهات مع اسرائيل»، على حد تعبير جهاز الأمن. - تقارير استخبارية تتحدث عن تهريب صواريخ ايرانية الى غزة متطورة وحديثة وقادرة على احداث دمار كلي بما لم يسبق لإسرائيل ان واجهته. وازاء هذا الوضع يتوجه الجيش للمواطنين اليهود القاطنين على طول الحدود مع القطاع بطلب البقاء على اهبة الاستعداد أو البحث عن بيوت بديلة. - «حزب الله» يتزود بأسلحة وصواريخ متطورة تصله من ايران وسورية بما يضاعف تهديده لأمن اسرائيل فيما دعم ايران المتواصل له يهدد المنطقة عموماً واسرائيل على وجه الخصوص. - احباط عملية استهدفت اسرائيليين في منطقة سيناء وبموجب تقارير استخبارية اسرائيلية فإن «حزب الله» يواصل محاولاته لتنفيذ عملية انتقام لمقتل قائده العسكري عماد مغنية. وتضيف التقارير الاستخبارية ان الحزب لا يسقط من حساباته أيضاً امكان اختطاف جنود على طول الحدود او التسلل الى داخل اسرائيل لتنفيذ العملية. وفي الملف الايراني لا يمر يوم واحد الا وتكون وسائل الاعلام الاسرائيلية قد تناولت تصريحاً او تقريراً حول خطر التسلح النووي الايراني على اسرائيل لتتوج حملة ترويجها هذه بجولة «مناورات» اخرى حول ضرورة الجيش استعداداً لمواجهة هذه المخاطر، وفي حين يفرض الجيش بشكل عام تعتيماً على معلومات او تفاصيل حول اجهزة ومنظومات يستخدمها او ما زالت في مرحلة التطوير فإن الفترة التي تسبق المصادقة على مطلب مالي تصبح منها هذه المعلومات مكشوفة، وخلالها يجتهد الجيش عبر قواته البرية والجوية والبحرية للحديث عن التطورات التي ادخلها على وحداته. وليس صدفة انه لدى طرح الحاجة الى زيادة الموازنة العسكرية جرى التاكيد على ضرورة مواصلة التدريبات العسكرية وتكثيفها. وفي الايام التي سبقت المصادقة على الموازنة روّج الجيش لتدريبات يجريها في احراش جبال الكرمل في مدينة حيفا، وهذه المرة الاولى التي يجري فيها تدريبات في هذه المنطقة وحاول ان يركز على ما يسميه: «اليقظة للاستعدادات التي يجريها حزب الله للمواجهات المقبلة مع اسرائيل». وقد شوّه الجيش جمال منطقة واسعة من هذه الجبال ليعدها كمحميات طبيعية شبيهة بتلك التي يعدها حزب الله في منطقة الجنوب، على حد قول الجيش، اضافة الى المخابئ والكمائن التي تدرب عليها ضمن السيناريوات التي يتوقعها في مواجهته لحزب الله في ارض المعركة. وعلى الصعيد اللبناني، ورغم التصريحات التي أطلقها اكثر من مسؤول عسكري وامني اسرائيلي وابرزهم قائد الأركان، غابي اشكنازي، بعدم توقع توتر قريب على الحدود الشمالية الا ان الجيش روّج لحاجته الى شراء جهاز مراقبة جديد وأنه اجرى عليه تجربة على طول الحدود الشمالية. والحديث يدور عن جهاز روبوت يطلق عليه اسم «اكزبيتو». وبحسب الجيش فإن هذا الجهاز قادر على مراقبة كل التحركات في المنطقة وبإمكانه نقل صور دقيقة لمركز المراقبة في الجيش وتنفيذ الهدف في غضون ثوان. وبرأي الجيش فإنه قادر أيضاً على منع عملية اختطاف لجنود عند الحدود او عمليات اخرى اذ يرصد عبر عدسات مراقبة كل تحرك وبإمكانه تفعيل صفارة انذار واطلاق غاز مسيل للدموع. اما سلاح البحرية الاسرائيلية فقد ضرب رقماً قياسياً في الشهر الأخير في استعداداته لمواجهة مختلف السيناريوات المتوقعة تجاه التنظيمات المعادية لاسرائيل. ورغم اصراره لفترة طويلة على سرية عمل سفينة «دولفين» التجسسية، قرر هذه المرة الكشف عن جوانب عدة منها تأكيده على انها قادرة على كشف سفن العدو واحباط عمليات والسيطرة على منطقة واسعة من البحر الابيض المتوسط. مناورة وتجارة خيول الحملة التي سبقت بحث الحكومة عن التقليصات في الموازنة لصالح الأمن رفعت حدة النقاش الاسرائيلي حول الجيش ودوره ومكانته في اتخاذ القرار واطلقت التعابير المختلفة لأسلوبه في ابتزاز الموازنة حتى باتت كلمة مناورة غير مقتصرة على المناورات العسكرية بل شملت الاسلوب الذي يتبعه الجيش لضمان حصوله على مطالبه. وتفنن المطلعون على مناقشة الموازنة العسكرية في تسمية الإساليب التي تدار بها. فقد سبق ووصفها البعض ب «البازار التركي» وهناك من وجد الصفة الأنسب لها بعبارة «تجارة خيول». نحاميا شطرسلر اختار ان ينتقد زيادة الموازنة عبر شرحه لأجواء النقاش الذي يُجرى حولها بقوله» في اليوم المقرر للمصادقة يدخل الى جلسة الحكومة وفد من 20 ضابطاً كبيراً مزودين بالحواسيب النقالة المتطورة. يخففون النور ويعرضون على الشاشات عروضاً ملونة، واشرطة متنوعة وتقديرات استخبارية مخيفة مرفقة بأسهم حمراء، كلها موجهة مباشرة الى قلب البلاد. وهم يشرحون للوزراء بأن التهديد حولنا ازداد فيما احمدي نجاد هو عنصر التخويف الأكبر من خلال سلاحه النووي». ويتابع شطرسلر يقول: «المناورة الاخيرة اضافة 1.5 مليار شيكل لموازنة الدفاع بعد شهرين ونصف الشهر من اقرار الموازنة في الكنيست – نفذت بأسهل ما يكون. إذ وقف امام العشرين ضابطاً رئيس حكومة مصاب بالفزع ووزير مالية لا يحلم بالوقوف في وجه سيده». الموازنة العسكرية هذه السنة ستصل الى 48.6 مليار شيكل، و 53.2 مليار شيكل في العام المقبل، وهي الأعلى في تاريخ الدولة ولكن يقول شطرسلر انه في داخل موازنة هائلة كهذه توجد مرونة عظيمة، يوجد الكثير من التطويرات، والكثير من المخططات للمدى الطويل فالجيش يريد كل شيء: ان يواصل كل المشاريع، وان يشتري الطائرة الأغلى ثمناً في العالم، وان يحافظ على شروط الخدمة الاستثنائية لرجال الخدمة الدائمة وان يسمح لهم بتسريح وتقاعد في سن ال 42 وان يواصل البعثات الامنية الفاخرة الى نيويورك، وواشنطن، وباريس، وبروكسل وبرلين والا يقلص لا سمح الله من سلسلة طويلة من الملحقين العسكريين في ارجاء المعمورة انه ترتيب عمل للمقربين، كله في آن واحد، يقول شطرسلر منتقداً بسخرية.