على رغم أن خطوة الفقيه السعودي الدكتور أحمد الغامدي الأخيرة، بخروجه مع زوجته سافرة الوجه في قناة تلفزيونية، كانت صادمة لكثير من مواطنيه، ناهيك عن بعض زملائه الفقهاء والمحافظين، إلا أن المتابعين لخطاب رئيس «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» في مكةالمكرمة (سابقاً)، وجدوا فيه خطوة طبيعية، ترجم فيها نظرياته السابقة إلى تطبيق عملي في حياته الخاصة. وكان الغامدي قبيل خروجه في القناة التلفزيونية، ضم صفحته على «فيسبوك» تدوينات عدة، تناصر الآراء الفقهية في التراث الإسلامي، ترى كشف المرأة عن وجهها وكفيها جائزاً وغير منافٍ للحشمة، إلى جانب دحض آراء المناوئين لهذا التوجه من فقهاء معاصرين وقدامى، يعتبرون وجه المرأة فتنة للرجال، وينبغي أن يحجب. لكن الغامدي على رغم ذلك أعاد الجدل الراهن حول الحجاب ليس إلى الاختلافات الفقهية، وإنما بسبب «ملء أذهان كثير من الناس برؤى بعيدة عن الصواب، إما تغليباً للعرف والعادة المتحكمة، وإما تقليداً لآراء فقهاء ومفتين، وإما لرؤى معاصرة بنيت على التوجس من مؤامرة لتغريب المرأة يعتقد المحذّرون منها أن ما يسمى بالحجاب أهم أهداف تلك المؤامرة». غير أن الرجل الذي أتى من جهاز التيار الديني الأكثر صلابة في المجتمع السعودي، وهو «الهيئة»، ينظر متابعون لأفكاره منذ بضع سنين على أنها «أفكار دينية ثورية» في تأثيرها على رغم أنه اعتاد صياغتها في شكل تقليدي طبيعي. إلا أن التعاطي الاجتماعي معها ظل يتردد بين الصدمة في البداية، والتجاوب في نهاية المطاف. وكان أول الآراء الدينية التي لفتت الانتباه إلى الغامدي هو مناصرته لفكرة «الاختلاط» واعتباره غير محرم فقهياً، في شكل صورته المتعارف عليها سعودياً، غير أن موقعه في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر القائمة أصلاً على مكافحة الاختلاط إلى جانب مفردات أخرى تتصل بالمرأة، أحاطه بوابل من النقد، وما لبث أن خسر منصبه. إلا أن تزايد التقبل الاجتماعي لآراء الفقيه السعودي ظل في تزايد بعد ذلك، خصوصاً عندما تقاطع مع آخرين من البيئة السعودية نفسها، مثل إمام الحرم السابق عادل الكلباني، على إباحة الموسيقى، التي لا يرى معظم الفقهاء السعوديين سماعها مباحاً أو محموداً في أحسن الأحوال. غير أن خطوة الغامدي الجديدة في تطبيق ما كان ينظّر له، «ما كان أحد من التيار الديني يتوقعها»، على حد قول المعلقين على الخطوة، سجل البعض منهم ملاحظة أن الازدواجية بين التنظير والسلوك أمر معتاد في البيئة المحلية. وهو ما ينتقده هذا الفقيه المثير للجدل. وفي وقت شكر الغامدي زوجته «قرة العين جواهر على مشاركتها الناضجة الهادفة»، والمؤيدين لظهورها، لاقت الفكرة تأييداً واسعاً من جانب شرائح نسائية وفكرية، إلا أن شرائح أخرى هي الأكثر، اعتبرت ما قام به الغامدي، «عيباً اجتماعياً». لكن الرجل المتمرس في صد هجمات مخالفيه، اعتبر جنوح الاختلاف معه إلى الناحية الاجتماعية، مؤشراً على أن خطوته ليس هناك ما يدحضها شرعياً. وأنه أخذ في اعتباره أن «كثيراً من الآراء الفقهية في قضية المرأة جاءت مسايرة للمجتمع»، في إشارة إلى أنها ليست محررة فقهية بما يكفي. وزاد: «العيب الاجتماعي حينما يبالغ فيه لدرجة يطغى فيها على أحكام التشريع فعلى أهل العلم والمقتدى بهم أن يصححوا ذلك الخلل حتى لا يختلط الدين بالعادة وتضمحل السنن وهدي النبوة، وهذا ما فعلته». الغامدي لا يتوقف سجاله الفقهي عند هذا الحد، ولكن تجاوز إلى نقد جهات فقهية محلية مرموقة، مثل هيئة كبار العلماء، التي اعتبرها «مقصرة في القيام بدورها الحقيقي في تصحيح الفكر ونشر الوعي الوسطي في الأوساط الاجتماعية». وفي اتصال معه أبلغ «الحياة» أنه أراد من الخروج للناس على التلفاز مع زوجته كاشفة وجهها، أن يقول لهم هذا جائز، وبوسعكم أن تفعلوا مثلي. مشيراً إلى أن ذلك نهجاً نبوياً أصيلاً. وقال: «جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة وقدوة للناس في العمل بما شرعه الله، والقدوة لها أثر كبير في امتثال الناس لما شرعه الله، وقد كان رسول الله كثيراً ما يوضح الحق بعمله ليتأسى الناس به، كما وقع في أمر تحلله في الحديبية واحتج بعمله فيمن أرادوا التبتل والصيام والقيام فبيّن أنه يتزوج وأنه يصوم ويفطر ويقوم وينام وأن خلاف ذلك بقصد التدين يعد رغبة عن سنّته عليه السلام، ومن رغب عن سنّته فليس منه». ورأى أنه تبعاً لذلك «من الحق على العلماء وطلاب العلم ومن يقتدى بهم العمل بذلك ليتأسى الناس بهم وليحيا بعملهم ما اندرس من الحق وليكون ذلك وسيلة لتصحيح ما قد يقع في أذهان الناس من اعتبار ما هو سنّة واجباً أو اعتبار ما هو مكروه محرماً فهذا المراد من ذلك».