فاجأت واشنطن وهافانا العالم أمس، بإعلانهما تطبيعاً يشمل استئناف العلاقات الديبلوماسية وفتح سفارتين وتبادلاً حرّاً للتجارة والسفر، في تحوّل تاريخي للسياسة الأميركية إزاء كوبا، بعد حصار فرضته على الجزيرة منذ نحو نصف قرن. ففي اعلان تاريخي ينهي خمسين عاماً من القطيعة الديبلوماسية والاقتصادية، أعلن الرئيس باراك أوباما تطبيع العلاقات مع كوبا وفتح سفارة أميركية في هافانا وكوبية في واشنطن، وأجرى اتصالا هاتفيا لمدة 45 دقيقة مع نظيره الكوبي راوول كاسترو في وقت جرى الافراج عن السجين الأميركي آلن غروس. وقال أوباما في اعلان من البيت الأبيض أن «العزلة فشلت» و»لا يمكن أن نعيد السياسة نفسها لخمسة عقود ونتوقع نتيجة مختلفة»، معلناً الاتجاه الى تطبيع العلاقات وفتح «حوار مباشر مع كوبا، نتحدث فيه عن خلافاتنا»، كما أوصى وزير خارجيته جون كيري باعادة النظر بوضع كوبا على لائحة الارهاب وهو ما يتوقع أن يتم رفعه قريبا. وقال الرئيس الأميركي في اعلان سيكون جزءاً محورياً من شرعيته الرئاسية، أن أميركا «ستنهي نهجاً عتيقا مع كوبا» معتبرا أن الخلافات في السياسة الخارجية وحقوق الانسان «ستستمر انما العزلة لم تنجح». وأكد أوباما الاستعداد لتبادل سفارات وسفراء بين هافانا وواشنطن والى «زيارات لمسؤولين رفيعي المستوى الى كوبا.» وكشف مسؤولون أميركيون أن البابا فرانسيس توسط بين هافانا وواشنطن وكان له دور أساسي في الوصول الى الاتفاق. وأن المحادثات السرية في شأن التطبيع بدأت في حزيران (يونيو) 2013 وتبعتها مصافحة بين أوباما وكاسترو في جنازة نيلسون مانديلا في كانون الأول (ديسمبر) الماضي. وقال مسؤولون إن التحول سيعني تسهيل التجارة وحركة النقل من الولاياتالمتحدة الى كوبا. وأضافوا أنه في اطار اتفاق لتبادل السجناء بموجب السياسة الجديدة افرجت كوبا عن عامل المساعدات الاميركي آلان غروس الذي كانت تحتجزه منذ العام 2009 لاتهامه باستيراد تكنولوجيا محظورة ومحاولة إنشاء خدمة إنترنت سرية لليهود في كوبا، مقابل الافراج عن ثلاثة كوبيين كانت تحتجزهم الولاياتالمتحدة ضمن خلية «الكوبيين الخمسة» لإدانتهم بالتجسس. ووصل غروس الى قاعدة أندروز الجوية قرب واشنطن، آتياً من كوبا التي ستفرج أيضاً عن عميل لوكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إي) مُحتجز منذ اكثر من 20 سنة. وقال مسؤول أميركي إن كوبا أطلقت 53 سجيناً سياسياً. وقال مسؤول كبير في الادارة للصحافيين «هذه الخطوات ستكون التغييرات الاهم في سياستنا تجاه كوبا خلال اكثر من 50 عاما.» واضاف «ما نفعله هو بدء تطبيع العلاقات بين الولاياتالمتحدةوكوبا.» وقال «سنبدأ عاجلا محادثات مع كوبا لاستئناف العلاقات الدبلوماسية التي قطعت منذ 1961 .» وانتقد نواب جمهوريون من أصل كوبي بينهم ماركو روبيو الخطوة، ووصف أوباما بأنه «أسوأ مفاوض» في البيت الأبيض في التاريخ الحديث. كما انتقد رئيس مجلس النواب جون بينر التحول في سياسة اوباما ووصفه بأنه «تنازل آخر في سلسلة طويلة من التنازلات الطائشة» ل»ديكتاتورية متوحشة». وقال «العلاقات مع نظام كاسترو لا يجب تغييرها... ناهيك عن تطبيعها قبل ان يتمتع شعب كوبا بالحرية وليس قبل ذلك ولو بثانية واحدة.» وقال مسؤول في الخارجية الأميركية ل «الحياة» رداً على سؤال عن امكانية استنساخ التجربة الكوبية مع ايران، أن «التركيز هو على المحادثات النووية ومنع طهران من تطوير سلاح نووي». وأشار مسؤول أميركي بارز إلى أن وزير الخارجية جون كيري أجرى 4 اتصالات هاتفية بنظيره الكوبي برونو رودريغيز خلال الصيف، ناقشا خلالها سبل إطلاق غروس. وسيراجع كيري تصنيف كوبا كدولة راعية للإرهاب، فيما ستسهّل الولاياتالمتحدة تدفق التجارة والسفر من كوبا وإليها. وقال السناتور ريتشارد دوربن، الرجل الثاني في مجلس الشيوخ المقرّب من اوباما: «فتح الباب مع كوبا للتجارة والسفر وتبادل الأفكار، سيوجد قوة تتيح تغييرات إيجابية لم تتمكن اكثر من 50 سنة من سياسة العزل التي نطبقها من تحقيقها» في كوبا. وقال مسؤول بارز في إدارة أوباما إن واشنطن ستعيد فتح سفارتها في هافانا «خلال اشهر»، مضيفاً: «هذه الخطوات ستكون التغييرات الأكثر أهمية في سياستنا إزاء كوبا خلال اكثر من 50 سنة. ما نفعله هو بدء تطبيع العلاقات». وأشار إلى أن البلدين سيبدآن اتصالات على مستوى عالٍ وزيارات متبادلة، تمهّد ل «استئناف العلاقات الديبلوماسية المقطوعة منذ العام 1961». لكن مسؤولين شددوا على أن الرئيس الأميركي «سيتابع دعوته إلى احترام حقوق الإنسان في كوبا». وكانت الولاياتالمتحدة فرضت حظراً تجارياً على كوبا عام 1960. لكن هناك انقساماً في الكونغرس في شأن السياسة الأميركية إزاء كوبا، اذ يعتبر أعضاء ان الحصار على الجزيرة بات متقادماً، فيما يراه آخرون ضرورياً طالما ترفض هافانا إصلاح نظامها السياسي وتحسين سجلها في حقوق الإنسان. وندّد رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ روبرت مننديز بما فعله أوباما، معتبراً أنه «يبرّر السلوك الوحشي للحكومة الكوبية». ونبّه إلى أن مبادلة غروس ب «مجرمين مدانين» من كوبا «يرسي سابقة خطرة جداً». وفي هافانا اعلن الرئيس الكوبي انه اتفق مع نظيره الاميركي «على اعادة العلاقات الديبلوماسية» بين البلدين. واضاف في خطاب بثته وسائل الاعلام الرسمية «هذا لا يعني ان المشكلة الرئيسية، اي الحصار الاقتصادي» تمت تسويتها». واشاد بالرئيس اوباما لاتخاذه خطوات لاعادة العلاقات بين البلدين. واضاف «هذا القرار من قبل الرئيس اوباما يستحق اعتراف وتقدير شعبنا» موجها كلمة شكر الى البابا فرنسيس. وقال «اود ان اشكر الفاتيكان على دعمه خصوصاً البابا».