الأمم المتحدة: قوات الاحتلال تقتل أكثر من 71 مدنيًا في لبنان    صندوق تمكين القدس يدعو إلى إغاثة الشعب الفلسطيني    ولي العهد يعزي رئيس وزراء ماليزيا في وفاة عبدالله بدوي رئيس الوزراء الماليزي الأسبق    محمد بن فهد.. موسوعة القيم النبيلة    مجلس الأعمال السعودي - الفرنسي يبحث تعزيز الشراكة الصحية    رأس اجتماع اللجنة الدائمة للحج والعمرة.. نائب أمير مكة: القيادة الرشيدة سخّرت جميع الإمكانات لراحة وطمأنينة ضيوف الرحمن    يعد ضمن النسبة الأقل عالمياً.. 2.3 % معدل التضخم في المملكة    القيادة تعزي ملك ماليزيا    المملكة تؤكد على وقف الدعم الخارجي لطرفي الصراع في السودان    الأردن يحبط مخططات تخريبية ويوقف 16 متورطاً    جريمة قتل في القاهرة    السعودية بوصلة الاستقرار العالمي (3-3)    العليمي والزنداني يرفعان السقف: لا حلول وسط مع الميليشيا.. رسائل يمنية حاسمة: تفكيك الحوثي شرط للسلام واستقرار البحر الأحمر    في إياب ربع نهائي دوري أبطال أوروبا.. تحد كبير لآرسنال في معقل الريال.. وإنتر لتأكيد التأهل    بعد خسارته في إياب نصف النهائي أمام الشارقة.. التعاون يودع بطولة كأس آسيا 2    في ختام الجولة 29 من " يلو".. نيوم للاقتراب من الصعود.. والحزم لاستعادة التوازن    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الهولندي القضايا الدولية    بدعم من مركز الملك سلمان للإغاثة.. 598 مستفيدًا من مركز الأطراف الصناعية في تعز    السجن 5 سنوات لمواطن احتال على 41 ضحية    المظالم ينجز46 ألف دعوى خلال 3 أشهر    فيلم "هو اللي بدأ" خطوة لصناعة دراما برؤية مختلفة    حسن عبدالله القرشي.. شاعر البسمات الملونة (2/2)    المدينة المنورة: تطوير تجربة الزائر بربط المواقع التاريخية وإثراء البعد الثقافي    رُهاب الكُتب    الأول من نوعه في السعودية.. إطلاق إطار معايير سلامة المرضى    تغريم 13 صيدلية 426 ألف ريال لمخالفتها نظام "رصد"    قريباً في جدة    صدور الجبال.. معقل النمر والصقر    هل ضاعت الملكية الفكرية في عصر الذكاء الاصطناعي؟    مواقف في بيت ثعابين    تعليق الدراسة الحضورية في نجران بسبب موجة الغبار والأتربة    الأمير سعود بن نهار يطلع على منجزات ومبادرات أمانة الطائف    سمو أمير منطقة الباحة يتسلّم تقرير أعمال الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف    بلدية محافظة البدائع تفعل "اليوم الخليجي للمدن الصحية"    مؤسسة الوليد للإنسانية وجمعية الكشافة توقعان اتفاقية استراتيجية لتمكين الشباب    توقيع اتفاقية تمويل "رسل السلام" بقيمة 50 مليون دولار    محافظ الطائف يستقبل رئيس مجلس إدارة جمعية الفنون البصرية    انطلاق أعمال الدورة ال47 للجنة الإسلامية للشؤون الاقتصادية والثقافية والاجتماعية    برشلونة يتأهل إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا لأول مرة منذ 6 سنوات    مؤتمر القدرات البشرية.. مجمع الملك سلمان يقدم ثلاث مبادرات نوعية    مركز الملك فيصل يصدر "كتاب الأزمنة" للمُبرّد    أمسية بتبوك تستعرض الصالونات الأدبية ومكانتها الثقافية    تعليم الباحة يطلق جائزة الشيخ الدرمحي للتميز التعليمي    تعليم الطائف ينفذ مشروع معاذ للسلامة الإسعافية في مقرات العمل    "بينالي الفنون الإسلامية 2025" يواصل استقبال زوّاره في جدة    الأخضر تحت 17 عاماً يعاود تدريباته استعداداً لنصف نهائي كأس آسيا    إجراء قرعة دوري الإدارت الحكومية لكرة القدم 2025 بمحافظة حقل    تحت إشراف مركز الملك سلمان للإغاثة.. فريق «البلسم» الطبي يصل سورية استعدادًا لإجراء 95 عملية ضمن المشروع الطبي التطوعي لجراحة وقسطرة القلب    سمو أمير الباحة يتسلم تقارير منجزات أمانة المنطقة والبلديات    العالم على أعتاب حقبة جديدة في مكافحة «الجوائح»    نائبا أمير الرياض والشرقية يعزيان أسرة بن ربيعان    20 ناطقا بغير العربية ينافسون عربا بمسابقة قرآنية    بخيل بين مدينتين    فرع الإفتاء بجازان يختتم برنامج الإفتاء والشباب في الكلية الجامعية بفرسان    أمير نجران يعتمد الهيكل الإداري للإدارة العامة للإعلام والاتصال المؤسسي بالإمارة    الحقيقة التي لا نشاهدها    الفلورايد تزيد التوحد %500    أمير تبوك يزور الشيخ محمد الشعلان وبن حرب والغريض في منازلهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة - صوتٌ غاب عن الحفلة
نشر في الحياة يوم 06 - 10 - 2009

قرب نهاية شهر رمضان دعاه رئيس الحزب إلى اجتماع وصفه بالمهم. في اليوم المُحدد لانعقاده وجد نفسه أمام صالة كبيرة جلس فيها المجتمعون على طاولتين تمتدان بالطول. سار بينهما إلى مقعد خال وجلس عليه. كان على يساره شاب ضئيل الجسم يتحدث مع جاره عن مشكلة الري بمياه الصرف، وعلى يمينه رجل بدين يُحملق أمامه في صمت. دار حول الصالة بعينيه. أمام المدعوين وُضع طبق فيه نصف دجاجة يلمع جلدها في الضوء الهابط من السقف، وأشياء أخرى صرف النظر عن تحديدها. عادت إلى ذهنه صالة الطعام في المدرسة الداخلية التي أُرسل إليها بعد وفاة والده. فحص نصف الدجاجة الموضوعة أمامه. بدت كبيرة الحجم فالتفت إلى جاره البدين وسأله: «ألاَّ ترى أن هذه الدجاجة كبيرة الحجم؟»، فرد عليه بصوت فيه رنة من الحزن: «دجاجتي فعلاً أصغر منها»، فالتفت إلى امرأة كانت تجلس أمامه وكرر سؤاله. ألقت إليه بنظرة فيها شك وقالت: «هذه الأيام كلها كبيرة. إنهم يحقنونها بهورمونات ذكورية،» فخطر في باله أنها ربما منضمة إلى جمعية نسائية تراقب السوق، لكن قبل أن يسألها شرب رئيس الحزب من كوب فيه «قمر الدين» فامتدت الأيدي إلى الأطباق وشرع الجالسون في الأكل.
انتهى الإفطار فوُزعت أكواب الشاي، وأُشعلت لفائف التبغ. ارتفع الدخان في الجو صاحبه صوت الشفاه وهي ترتشف من أكوابها فخرج إلى الشرفة لبعض الوقت. لما عاد وقعت أنظاره على منصة جلس عليها رجل أشيب الشعر في سترة داكنة، ورباط عنق فستقي اللون رآه من قبل جالساً على منصة في اجتماعات الحزب، وإلى جواره رجال ونساء وُضعت الميكروفونات أمامهم، ومعها زجاجات من المياه المعدنية ومنافض لإطفاء لفائف التبغ. لكن هذه المرة لاحظ انه يُوجد ميكروفون واحد فحسب جلس أمامه الرجل الأشيب الشعر.
مر بعض الوقت وتقدم رئيس الحزب إلى المنصة ليجلس عليها فنُقل الميكروفون ووُضع أمامه. ساد الصمت ما عدا بعض الأصوات كانت تأتي من ملحق للصالة قُرب «التواليت». تردد في الميكروفون شيء فتلاشت الأصوات على الفور. عندئذ مال رئيس الحزب على الميكروفون وبدأ كلمته.
كان الميكروفون يرتكز على قاعدة يرتفع منها عمود له عنق تُحيطه ياقة من الصُلب، يعلو فوقها رأس كروي الشكل. برز من الياقة وجه يرتدي عوينات زجاجها سميك، وله أنف صغير وفم تنفتح شفتاه فيخرج صوت. لفت نظره أن الصوت يُواصل كلامه من دون أن يُوقفه شيء كأن الميكروفون ينقصه مفتاح للغلق. انخفضت نبرات الصوت في لحظة، وصار يُردد ما نطق به من قبل، فارتبك القائمون بتصوير الحفلة، لكن فجأة صعدت نبرته ليصل صداه إلى السقف، قبل أن يتلاشى تماماً كأنه عجز عن مواصلة الجهد.
ترك رئيس الحزب المنصة وعاد إلى مقعده ليُراقب تطورات الحفلة، فبرز وجه جديد من ياقة الميكروسكوب، وتدفقت منه الكلمات مثل مياه النهر. تم استبدال الوجوه تسع مرات، منها ثلاث مرات لإلقاء الشعر. حاول أن يُميز بينها. بدت له متشابهة، فقد يكون الوجه حليقاً أو له لحية مدببة عند طرف الذقن، أو يكون له حاجب أعلى من حاجب أو مختلف عنه، قد يُطل منه أنف أفطس، أو أنف كمنقار الصقر، قد تكون الجبهة التي تعلوه عريضة، أو ضيقة تحتل زبيبة مساحة منها، لكن ظل الوجه هو الوجه، على رغم تبدل الملامح، كأن في كل الوجوه سمة تطغى عليها، أو كأن هناك شيئاً جوهرياً ينقصه. كذلك الصوت الذي يصدر عنه ظل يتردد كالإنذار بكارثة ستقع في التو، والإيقاع فيه يتغير بالمقدار ذاته في موضع مُحدد كأنه متفق عليه، أو يبقى ثابتاً لا يتبدل طوال الوقت، أو زاعقاً، فارغاً كالطبل، فيه ذبذبة تخترق الأذن من دون أن تصل إلى العمق، مشتعلاً وعاجزاً عن إثارة شيء سوى السأم.
كلما سكت الصوت وغاب الوجه ارتفع التصفيق لينظر الرجل الأشيب الشعر في ورقة وضعها أمامه وليقوم باستبدال الوجه فوراً فقد تقلص عدد الجالسين في الصالة وأغلقوا جفونهم، لكنه عندما بحث عن وجه ليحل محل الوجه تبين أنه وصل إلى نهاية الكشف، فتردد التصفيق أعلى وأطول عنه من قبل.
ترك نصف الدجاجة في طبقها، وقام. خطر في باله أن يتجه الى الميكروفون ليشكره، ثم عدل عن الفكرة إزاء الزحام الملتف حول المنصة التي وقف عندها الرجل الأشيب الشعر يتلقى تهاني المدعوين وأحضانهم، فهبط في المصعد إلى الشارع وتدفق إليه الناس خارجين من بيوتهم ليستنشقوا نسيم الليل الذي هب من النهر، وسار معهم باحثاً عن الصوت الغائب عن الحفلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.