في سالف العصر كان الناس يبيعون ويشترون بالمقايضة. وسرعان ما تغير هذا النظام بعدما صار قاصراً عن مجاراة التحضر والتقدم الإنساني، وهذا حتم ظهور منظومة دفع أخرى أكثر مرونة، تتيح لحامليها مقداراً أكبر من حرية الحركة وتسمح بهامش أكبر من المبادلات الاقتصادية. هذا «الادعاء» يدحضه عالم الفضائيات. ولعل حكاية أحد أحدث المنضمين إلى مملكة الفضائيات الخاصة في مصر قد تعطي صورة واضحة، وإن بدت كمزحة أول الأمر. فالإعلامي الضالع في شؤون الاستثمارات العقارية قرر أن يجرب حظه في دنيا الفضائيات. إلى هنا يبدو الأمر طبيعياً، لكنه وفي إطار إطلاقه لبرامج جديدة تستوجب فرق إعداد وبحث وتسويق وغيرها، نبعت فكرة عبقرية لديه ألا وهي مقايضة عمل من يرغب من أولئك بالأقساط المستحقة عليهم في أحد مشاريعه العقارية. وبمعنى آخر تلقى زميل عرضاً مفاده تحضير برنامج لتلك القناة على أن يتم مقايضة عمله ذلك بجانب من الأقساط التي يسددها لقاء حجزه شقة سكنية في مشروع يملكه صاحب القناة. الفكرة أثارت عاصفة من الضحك، فهناك من اقترح أن تعلن القناة عن لائحة أسعار: برنامج منوعات: شقة صغيرة. برنامج سياسي: شقة «لوكس»... برنامج اقتصاد: شقة بحديقة «سوبر لوكس»... برنامج توك شو: فيلا «دولوكس»، وهكذا. لكن المثير حقاً هو أنه بعد انتهاء عاصفة الضحك، اتضح أن كثراً لا يمانعون في المبدأ، شرط أن تكون هناك معايير تضمن حق الشاري، حتى إن أحدهم تساءل: ماذا لو خرج البرنامج بشكل لم يعجب صاحب القناة، فقرر أن يزيد قيمة القسط، ويجد المعد أو المذيع نفسه مديناً له وليس العكس؟! هذه ليست المرة الأولى التي يدخل فيها نظام المقايضة عالم الإعلام والثقافة، فقبل سنوات دخل أحد كبار الجزارين في مصر عالم الإنتاج السينمائي، وأخذ بعضهم يسخر من طريقة سداده لأجور الفنانين، وما إذا كان سيدفع لهم شيكاً بجزء من الأجر، اما الجزء الثاني فيأتيهم على شكل قطعية من بيت الكلاوي، أو فخذ ضأن، أو مجموعة من «الريش البتلو». وإذا كانت فكرة مقايضة الفن باللحوم دعابة أكثر منها واقع، فإن مقايضة البرامج التلفزيونية بالعقارات واقع قيد التجربة. ومرة أخرى، يتدخل خبراء الاقتصاد ليدلوا بدلوهم ويطرحوا تساؤلاتهم حول جدوى المقايضة التلفزيونية العقارية. فهناك صعوبات في إيجاد مقياس واحد للتبادل، بالإضافة إلى صعوبة توفير وسيلة عامة صالحة لاختزان القيمة، أو توفر وحدة مناسبة للدفع الآجل، ناهيك عن استحالة تجزئة السلع. فماذا يحدث لو اختلف الطرفان، فهل يتسلم المذيع شقته بعد اقتطاع الحمام، أو حذف غرفتين. أو هل يكتفي المعد بكتابة المقدمة ويمتنع عن كتابة الأسئلة لحين تسلمه الشقة المحجوزة بتشطيب رخام وليس سيراميك؟! وفي حال وصل الخلاف إلى أقصاه، هل يكون اللجوء بغرض التحكيم إلى مقاول البناء أم إلى مقاول الأنفار؟