تنامت في السنوات الأخيرة تنامياً متصاعداً مطرداً، موجات التعصب اليميني المتطرف في الكثير من الدول الغربية، ما ينذر بتطورات خطيرة ستطاول المجالات الثقافية والاجتماعية والسياسية والتشريعية في هذه الدول، وتمس بعلاقاتها دول العالم، خصوصاً دول الجنوب، وفي طليعتها دول العالم الإسلامي. كما ستؤثر هذه التطورات السلبية في أوضاع المسلمين الذين يعيشون في هذه الدول. ففي هولندا زادت أصوات اليمين المحافظ العنصري المتطرف ارتفاعاً، وفاز عدد من ممثليه في الانتخابات النيابية، ومنهم النائب العنصري المشهور خيرت فيلدرز صاحب فيلم «فتنة». وفي ألمانيا وإيطاليا وفرنسا والدنمارك وعدد آخر من الدول الأوروبية، تعالت أصوات يمينية متعصبة تحرّض على الكراهية، خصوصاً تجاه المهاجرين الذين يأتي معظهم من الدول العربية في شمال إفريقيا ومن الدول الإفريقية جنوب الصحراء. بل إن معظم وسائل الإعلام وغالبية المثقفين والكتاب في الغرب، انخرطوا في عملية التخويف من الإسلام ومعاداة المسلمين علناً وبعيداً من الموضوعية التي تتطلبها مهنهم. وفي الولاياتالمتحدة الأميركية، لا يزال اليمين المحافظ العنصري المتطرف يغلي بالكراهية تجاه الإسلام والمسلمين، على رغم فوز الديموقراطيين بالرئاسة وبالأكثرية في الكونغرس. بل تعدى ذلك إلى شن حرب شعواء على الرئيس باراك أوباما واتهامه بأنه من أصول مسلمة والتشكيك في وطنيته ومعارضة سياساته الداخلية والخارجية في شكل مستفز. وللمرة الأولى في تاريخ الولاياتالمتحدة الأميركية الحديث، يتعرض رئيس لتهكم وقذف علني واستهتار من جانب ممثلي حزب آخر داخل الكونغرس. فقد كان أعضاء مجلس النواب عن الحزب الجمهوري، حريصين على إظهار عدم احترامهم للرئيس أوباما في شكل كبير. فقد صاح النائب جو ويلسون من ولاية كارولينا الجنوبية، في وجه الرئيس قائلاً: «أنت تكذب»، عندما كان الرئيس يشرح للنواب أن خطته للضمان الصحي لن تغطي المهاجرين غير الشرعيين. كما كان النائب إريك كانتور من ولاية فرجينيا، يلعب بهاتفه المحمول من نوع بلاك بيري، ولوّح النائب لوي غوهمرت من ولاية تكساس، بتوقيعات ناحية الرئيس أوباما، وهو يتحدث بطريقة غير مؤدبة وغير لائقة في التعامل مع أرفع المسؤولين المنتخبين. بل إن غالبية نواب الحزب الجمهوري كانوا خلال ذلك الخطاب، يبدون تذمّرهم بنظرات متبرّمة ووجوه مكشّرة تدل على عدم الاحترام وقلة اللياقة. هؤلاء النواب الجمهوريون في الولاياتالمتحدة الأميركية هم بقايا عهد الرئيس السابق جورج بوش الذين أيدوا الحرب على العراق وأفغانستان، وقادوا حملات التشويه والعداء للإسلام والمسلمين. بل إنهم كانوا المسؤولين عن سنّ التشريعات الظالمة التي عانى منها المسلمون الأميركيون طيلة سبع سنوات عجاف صنوفاً من المعاناة القاسية، وانعكست سلباً على صورة الولاياتالمتحدة في العالم الإسلامي. والعالم اليوم في حاجة إلى تغليب روح التسامح والاحترام والتعايش الحضاري. ومن غير شك، فإن هذه الموجات اليمينية العنصرية المتطرفة، تقف حجر عثرة في طريق محبي السلام العاملين على نشر قيم الحوار بين الثقافات والتحالف بين الحضارات والتعايش بين الشعوب. ومن الواجب على عقلاء العالم ورواد الحرية ومحبي السلام، العمل في شكل جماعي منسق فعال لمواجهة أفكار اليمين العنصري المتطرف ومخططاته، لأنها خطر يهدّد العالم كله بأوخم العواقب، ما لم يتحرك المجتمع الدولي لوقف هذه الموجات من الكراهية والعنصرية والعداء والتصدّي لها. وأحب أن أوضح في هذا السياق، أن اليمين في حد ذاته، ليس موضع اعتراض أو رفض أو هو مثار شبهة، لأنه اختيار سياسي واقتصادي واجتماعي وشكل من أشكال الحكم لدى عدد من دول العالم. ولكن المعترض عليه والمرفوض والمستهجن، هو اليمين العنصري المتعصب المتطرف الذي يتخذ من الكراهية والتمييز العنصري ومعاداة القيم الإنسانية الراقية التي تساوي بين الشعوب، منهجاً ومسلكاً له وأسلوب حياة. وهو اليمين المتصاعد في عدد من الدول الغربية الذي يناصب العالم الإسلامي تحديداً العداء، وينظر إلى المسلمين عموماً بأنهم متطرفون وإرهابيون، أو على الأقل مشاريع إرهابيين، مما يشكل خطراً على الأمن والسلم الدوليين، ويدفع بالعالم نحو المجهول. * المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة – إيسيسكو