ثلاثون قطعة في غاية الجمال والأناقة تليق بالمناسبات الكبيرة، تلك التي أعدّتها العراقية هناء الصادق للعرض الذي أقيم في قاعة منظمة «يونيسكو» في باريس للاحتفال بالثقافة العراقية. وأطلقت الصادق على العرض اسم «التبغدد»، المصطلح القديم المستخدم في دول عربية كثيرة للإشارة إلى الأناقة ونسبة إلى بغداد العصر العباسي لما عُرف عن هذه المدينة من جمال وغنى. ألوان انطلقت من الأبيض والأسود عبر الأرجواني والتركواز والبرتقالي والأخضر لتنتهي بالمطرز بخيوط الذهب المرصع بالأحجار الكريمة. عرض الصادق في اليونيسكو كان عبارة عن «كريشيندو» متواصلة للجمال والأناقة في أيقاع صاعد وصاعق في آن. ولم تترك هناء الصادق أياً من أجزاء عارضاتها العشر اللواتي جئن من بقاع مختلفة من العالم، إلاّ واعتنت به مؤكدة بذلك اهتمامها بجمال المرأة باعتباره عنصراً هاماً في إبراز جمال القطعة التي ترتديها وليس العكس. تقول هناء: «أجل أنا أبتدئ من الرأس. إنه عنوان الإنسان وقد اعتنى به البشر دائماً وتفنّن السومريون في ذلك لأنهم كانوا يعتبرون الرأس موقع الحكمة والعقل». وتشير إلى أن «القدماء وجّهوا عنايتهم إلى رأس الرجل وأهملوا المرأة، وصنعوا للرجال الملوك والأمراء التيجان وكل أنواع الزينة التي كانت تقرّبهم من مصاف الآلهة. العناية بالمرأة لم تأتِ إلاّ متأخرة واعتُبرت المرأة على الدوام جارية وتابعة وأدنى أهميّة». تلقّت هناء الصادق تعليمها الأساسي في مدرسة الراهبات بمنطقة كرّادة مريم في بغداد، وهناك أحبت الرسم والأناقة، وبدأت بتنظيم المعارض وهي طالبة، وعلى رغم دراستها اللغة الفرنسية في كلية اللغات بجامعة بغداد فقد كانت مهمومة بدراسة الفن والتحقت بأكاديمية الفنون الجميلة في بغداد وتخرّجت منها، وكان أستاذها الأول الفنان خالد الجادر. وبعد تخرّجها عُيّنت مشرفة على المرسم الجامعي وزاملت في ذلك أستاذها الجادر. واصلت دراسة الفن في باريس وانكبّت على الرسم والسيراميك والنحت ونصحها استاذها الفرنسي بأن تتجه نحو عالم الأزياء، ونصحها بدراسة الفن الشعبي «لكنني لم أكتف بدراسة الفن الشعبي العراقي وغُصت في الفن الشعبي العربي والشرقي بشكل عام» تقول هناء، وتضيف: «اكتشفت بأن الفترة العباسية كانت الأخصب والأجمل على الإطلاق فلقد كان الاهتمام بالزي عالياً إلى درجة أن عمد الخلفاء والأمراء إلى أن يُلحقوا بقصورهم بيوتاً للنسّاجين الذين يصنعون الأقمشة والأنسجة المستخدمة في صناعة الأزياء والملابس». وعلى رغم قدرتها الرائعة في إظهار جمال ومفاتن عارضاتها، وبالتالي جمال وأناقة النساء اللاتي سيرتدين تلك الأزياء فإن النماذج التي قدّمتها هناء الصادق في عرض «يونيسكو» تميّز باحتشام كبير. وتقول «أنا سعيدة لأنك التقطت هذا المظهر من العرض، أي انسجام الجمال واتساقه مع الاحتشام. أنا امرأة عصرية وتربّيت تربية متحررة، ولنا، نحن أبناء هذا الجيل احترام كبير للتقاليد والأديان والأعراف الاجتماعية، كما نرفض كل أشكال التطرّف والتقييد الممارس ضد المرأة. فمثلاً أنا أعارض البرقع والاستخدام الذرائعي للدين لحجر حرّية المرأة من خلال تأويلات لا علاقة للدين بها. شخصياً لا أستبعد زوال تلك التأويلات المبالغ فيها بعد بعض الوقت...» وتُضيف: «ثم إن الاحتشام في أعمالي وسيلة أخرى لحب الفضول عند الآخرين، فإذا كشفت المرأة عن كل مفاتنها لم تُبقِ للآخرين أي مجال للخيال، ولم يبقَ للرجل ما يبحث عنه». عن ألوانها تقول هناء الصادق: «أنا أحب جميع الألوان. على رغم أنني أختار الأسود للأزياء التي أرتديها شخصياً. كان أستاذي خالد الجادر يقول لي: «إن طبخة الألوان لديك مكتملة وناضجة». وربما لهذا السبب يعجز أولئك الذين يقلدّون عملي عن إنجاز ما يشبه إنجازي. إن عملي مزج واضح وكبير ما بين الفن والحرفية». وتتذكّر هناء لقاءً في روما وردّة فعل النقد الإيطالي إزاء أعمالها وتقول «كنّا في أحد عروض «آلتا روما» وقالوا لي إن هناك أهم ناقد للأزياء، فأذا اقترب منك وحدّثك فإن ذلك سيعني أنه أعجب بعملك، وأذا لم يفعل ذلك فإنه سيعني أنه يتحاشى توجيه النقد المباشر. إنتهى العرض وبقيت أراقبه ورأيته لم يقترب مني ولم يحادثني فقررت « التحرّش» به لأعرف رأيه. سألته عن رأيه وعن سبب عدم إعجابه بعملي أجابني: «على العكس أنا مُعجب بعملك كثيراً، لكنني أعتقد أن متابعته لا تدخل ضمن اختصاصي، فعملك ليس مجرد زي، بل هو عمل فني وينبغي أن يتابعه ناقد فني...». من بين التفاصيل التي تُدخلها هناء الصادق في أعمالها الخط العربي وتقول «خطّاطي المفضّل هو المبدع والشاعر العراقي محمّد سعيد الصكار. لا أستخدم الكثير من أعماله لأنها تحتاج إلى وقت طويل للغاية وليس بالإمكان استخدامها في شكل واسع وينبغي التأني كثيراً في هذا الإطار» وتضيف: «الخط العربي في العراق مدرسة خرّجت الكثيرين واهتديت أخيراً إلى خطّاط عراقي شاب رائع الحرفة وسأستخدم جزءاً من أعماله...» وحين نسألها عن اسم هذا الخطّاط الشاب والمحظوظ تجيب هناء بابتسامة: « تريد أن تعرف كل شئ!. أبقِ هذا السر لي وحدي في الوقت الحاضر...».