مع انخفاض حضور البرامج الثقافية على الشاشات العربية وندرة القنوات المتخصصة في هذا المجال رغم وصول عدد الفضائيات العربية الى نحو 700 قناة، يصبح ملحاً الحديث عن العلاقة التي تربط الثقافة بالتلفزيون. وفي هذا السياق نظمت «الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة» في المغرب تحت شعار «الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة: رَافِعَة للثقافة المغربية»، ندوتها الفكرية الأولى في المعرض الدولي للكتاب والنشر في الدار البيضاء، السبت الماضي، وذلك بمشاركة مديرة القناة «الثقافية» في المغرب مارية لطيفي ورئيس الجمعية المغربية لنقاد السمعي البصري أحمد الدافري والصحافي لحسن لعسيبي ورئيس «مصلحة تنسيق التواصل والعلاقات العامة» بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة» حسن احجيج والصحافي المصري محمد الشافعي. الحوار الذي أداره صاحب البرنامج الثقافي «مشارف» الشاعر ياسين عدنان طرح الأسئلة الآتية: هل الإبداع الفني والأدبي مجرد ترفٍ أم ضرورةٌ مُجتمعية؟ كيف يمكن للثقافة والإبداع أن ينخرطا في تأهيل المجتمع للحداثة والديموقراطية؟ ما حدود الأدوار التي يمكن للأديب والمثقف والفنان أن يضطلعوا بها من أجل التمكين لثقافة الحوار والاختلاف داخل المجتمع وكذا لمحاربة الانغلاق الفكري والدوغمائية؟ هل يمكن للمثقف والمبدع أن ينجزا اليوم مهماتها من دون وساطة الإعلام ودعمه وتفاعله مع ما يقترحان من مشاريع؟ رصد أحمد الدافري الجانب الديناميكي المتحرك في الثقافة، مؤكداً أنه لا يمكننا رصد الحركة من خلال الجمود. لذلك على التلفزيون أن يتحرك ويذهب الى الناس. فشخصية المغربي قد تحولت وتغيرت كثيراً منذ زمن الاستقلال إلى اليوم وعلى التلفزيون أن يتحول بدوره على مستوى العقلية والتصور للعمل التلفزيوني وليس فقط على مستوى تحديث الإدارة والآليات. كما شدد الدافري على ضرورة توسيع مفهومنا للثقافة ليشمل كل مناحي النشاط الإنساني، بالتالي سيكون لزاماً على التلفزيون أن يواكب هذه الرؤية كمجموعة من المخرجات المعنوية المرتبطة بالوجدان والعقل والروح. أما لحسن لعسيبي فأكد ضرورة عدم اكتفاء التلفزيون بالمتابعة والمواكبة وركز على أهمية المبادرة، مشيراً إلى أن التلفزيون ليس مطلوباً منه أن يرضي كل الأذواق، بل أن تكون له شجاعة المبادرة حتى ولو أثار النقاش والجدل. وأكَّد محمد الشافعي ان السياسيين الذين همشوا الثقافة وقَزَّمُوا دور المثقفين ساهموا بذلك في خلق التطرف وتوفير الجو الملائم لتفريخ الفكر المتشدد الرافض لكل اختلاف، لذلك يجب إعادة الاعتبار لصوت المثقف في الإعلام وعدم ترك معدلات المشاهدة توجّهنا لأنها خادعة وقد تجعل التلفزيون يخون دوره التربوي والمجتمعي. واعتبر حسن احجيج أن أهل التلفزيون بين نارين ومطلبين يذهبان أحياناً باتجاه التناقض: مطلب الخدمة العمومية ومطلب المنافسة مع القنوات الأخرى التجارية خصوصاً. وهذا تحدٍّ صعب خصوصاً أن هناك رهاناً أساسياً يتعلق من جهة بمسألة الرفع من جودة المنتوج التلفزيوني وكذا توسيع قاعدة جمهور المادة الثقافية. وعرضت مارية لطيفي حصيلة 9 سنوات من عمر قناة «الثقافية» التي تمكنت من دمج مفهوم الثقافة بمفهوم المعرفة. وأجمعت المداخلات على التوصيات الآتية: أولاً، ضرورة الاستثمار في البرامج الثقافية. ثانياً، التشديد على أهمية ربط الإنتاج والبرمجة التلفزيونيين بالثقافة لأن التلفزيون في المغرب ساهم في بداياته الأولى في بناء الدولة / الأمة، ثم ساهم في تكريس مفهوم الدولة الوطنية. ثالثاً، حرص التلفزيون على دعم الفنون والآداب والإنتاجات الوطنية في هذا المجال، والاهتمام بمكونات الهوية الوطنية بشكل يثمّن التنوع. رابعاً، ضرورة مصالحة المغاربة مع تاريخهم، والترويج للقيم الإيجابية وذلك في إطار مهمته الاستراتيجية الجديدة والمتمثلة في تكريس قيم المواطنة والديموقراطية ورسم الأفق الحداثي لهذا البلد. خامساً، مراجعة التشريعات التي تؤطر عمل الإعلام العمومي بما يمكنه من تقديم خدمة تستجيب تطلبات التثقيف وترسيخ قيم المواطنة والتعدّد والانفتاح وتثمين المقومات الثقافية والحضارية للمغاربة.