تنبّه كثر من المثقفين المغاربة في السنوات الأخيرة إلى قوة التلفزيون والتأثير الذي يمارسه في عملية نشر الثقافة وإيصالها إلى المتلقي العادي. من هنا لم يكتف بعضهم بالانفتاح عليه والحرص في شكل موضوعي على المرور في برامجه، لا سيما في المناسبات الخاصة بالكتاب، مثلما هو الشأن في المعرض الدولي للكتاب الذي يقام سنوياً في مدينة الدارالبيضاء، بل سعى إلى إعداد برامج ثقافية رأى أنها تساعد في تطوير الفعل الثقافي وتقدم الابداعات المغربية في شكل محبب إلى الجمهور بغية الدفع به إلى التعرف اليها، ومن ثمة الاهتمام بها والتعامل معها في شكل أفضل. وقد نجحت برامج كثيرة وتركت بصمات واضحة منها مثلاً تلك التي قدمها على شاشة التلفزيون المغربي بقناتيه الأولى والثانية كل من نور الدين أفاية ومحمد الهرادي وبديعة الراضي وفاطمة التواتي والمختار بنعبدلاوي وسواهم. هذه البرامج ساهمت في تقريب المشاهد المغربي من ثقافته كما جعلته يتعرف عن قرب الى الكتّاب والمبدعين المغاربة ويصبح بالتالي على معرفة قوية بالمجالات الابداعية والفكرية التي تشغل بالهم، كما جعلته يتعرف الى خصوصية الثقافة المغربية وأوجه الائتلاف والاختلاف بينها وبين الثقافات الأخرى العربية والغربية. لكنها سرعان ما غابت عن البرمجة التلفزيونية الواحدة تلو الأخرى، ما جعل الحاجة إلى هذا النوع ضرورية إذا أردنا من المشاهد المغربي أن يكون في تصالح معرفي بل وحتى وجداني مع ثقافته المغربية الغنية والمتنوعة. هكذا برز برنامج «مشارف» الذي يعده ويقدمه الأديب والاعلامي ياسين عدنان على القناة التلفزيونية الأولى بطريقة احترافية تجمع بين عمق الحوار والسهولة المطلوبة التي تجعله مقبولاً لدى مختلف الشرائح الاجتماعية لا ان يكون مقتصراً على النخبة منها. وقد استطاع هذا البرنامج أن يتحول إلى منارة إعلامية تعرف بالثقافة المغربية ليس فقط على مستوى المغرب فحسب بل على مستوى العالم العربي. كما استطاع البرنامج أن يعرف المشاهد المغربي الى التنوع الغني الذي تتميز به الثقافة العربية وهو يستقبل أبرز الكتّاب والمثقفين العرب ويفتح حواراً غنياً معهم، ويجعلهم بالتالي في حوار مثمر مع الثقافة المغربية. ولم تكتف القناة الثانية بهذا البرنامج اذ فسحت المجال أخيراً لظهور برنامج ثقافي جديد هو «الناقد» الذي يعده ويقدمه أحمد زايد. وقد استطاع هذا البرنامج أن يلفت أنظار المهتمين بالمجال الثقافي المغربي إليه ويدفعهم إلى متابعة حلقاته. وقد استضاف وجوهاً ثقافية مغربية مهمة، كما قدم مجموعة من الكتب المغربية وأدار حوارات حولها سواء من حيث القضايا الفكرية والجمالية التي تتناولها أم من حيث طريقة كتابتها ونوع هذه الكتابة. وهو أمر جدير بالتقدير لأنه يسعى إلى تقريب الثقافة المغربية من المشاهد المغربي ويجعله يتعرف الى الفاعلين فيها من كتّاب وشعراء ومفكرين. ومع ذلك فإن من واجب التلفزيون المغربي أن يحتفي بهذا النوع من البرامج الثقافية المهمة في شكل أكبر، بأن يفسح لها المجال لتقدم في ساعات الذروة كي يشاهدها أكبر عدد من الناس وأن يقدم لها الامكانات كي تستطيع أن تنوع في مجال اشتغالها سواء من حيث استدعاء الضيوف أم من حيث طريقة التقديم إن داخل الاستوديو أو خارجه بالذهاب إلى منزل الضيف والتحاور معه وتقديم، ليس فقط الكتب التي ألفها وإنما أيضا الكتب التي قرأها وأثرت فيه. أياً يكن الأمر، فإن الحرص على تقديم البرامج الثقافية أصبح مسألة لا غنى عنها للتلفزيون، باعتباره اكثر من وسيلة ترفيه، خصوصاً ان تلفزيون اليوم، أو ما يسمى في وسائل الاعلام الغربية ب «النيو تلفزيون»، يحاول ان يجمع بين البعدين الترفيهي والتثقيفي. وفي هذا السياق، أصبحنا نرى في البرامج الثقافية الفرنسية مثلاً، فقرات مع كاتب معين وأخرى مع نجم غنائي، بغية إيجاد دينامية داخل البرنامج وجذب أكبر عدد من المشاهدين.