شن شيخ الأزهر أحمد الطيب هجوماً ضارياً على السياسات الغربية، معتبراً أن «الإرهاب» في الشرق الأوسط «مؤامرة من مؤامرات الأعداء على الشرق العربي، لمصلحة دولة إسرائيل ومصالحها». واتهم الغرب بإيقاد «حرب بالوكالة» في المنطقة العربية. لكنه دعا التحالف الدولي ضد «داعش» إلى تكثيف حربه على الإرهاب. وهاجم الطيب تنظيم «الدولة الإسلامية» في افتتاح مؤتمر «الأزهر في مواجهة التطرف والإرهاب» الذي حضره ممثلو عشرات المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية في 120 دولة في القاهرة أمس. وقال إن «على التحالف الدولي أن يستنفر كل طاقاته المادية والمعنوية للقضاء على هذا الإرهاب بكل توجهاته ومذاهبه ومدارسه». ودعاه إلى «التصدي للدول التي تدعمه وتقف وراءه وتمده بالمال والسلاح»، مشيراً إلى أن التحالف بذلك «إنما يدافع عن شعوبه أولاً قبل أن يدافع عن شعوب الشرق». ورأى أن المؤتمر «يعقد في وقت بالغ الدقة والتعقيد والخطر المطبق على بلادنا وشعوبنا يدهمها من داخلها وخارجها». وسأل عن «أسباب المحنة العربية، والفتنة العمياء الممزوجة برائحة الدم والموت، والتفجيرات، وقطع رؤوس البشر، والتهجير بالملايين والتدمير للعمران والأوطان في وحشية لم يعرفها التاريخ من قبل»، مستغرباً كون هذه «الجرائم البربرية النكراء ترتكب باسم الدين الحنيف، وسميت الأوكار التي يدبر فيها أمر هذه الجرائم باسم الدولة الإسلامية، أو دولة الخلافة الإسلامية». ورأى أن «هذه الصورة الكريهة لديننا الحنيف أمر طالما تمناه أعداء الإسلام وانتظروه، بل طالما دندنوا حوله ونسجوا من أجله أفانين من الأباطيل والمفتريات والأكاذيب». وأضاف أن «الباحث في أسباب ظهور هذه التنظيمات المسلحة وتمددها السريع في الدول العربية والإسلامية، تطالعه تفسيرات شتى منها الديني والاقتصادي والحضاري والسياسي، ومنها غير ذلك مما سيتسع له البحث في مؤتمركم هذا، لكنني أود الإشارة إلى سبب آخر يستحق أن نتأمله قليلاً وهو السبب الذي يرى أن ما نعانيه إنْ هو إلا مؤامرة من مؤامرات الأعداء على الشرق العربي، لمصلحة دولة إسرائيل وبقائها الأقوى والأغنى في المنطقة، ونحن لا نستبعد ذلك». ولفت إلى أن العراق تعرض للغزو عام 2003 «تحت أسباب ملفقة، وعلل وأكاذيب فضحتها الصحافة الدولية، واعترفت بتلفيقها كبريات النظم السياسية العالمية، وكان أول ما حاكه الغزاة في العراق من خيوط المؤامرة أن قاموا بتسريح الجيش العراقي الذي كان من أقوى الجيوش العربية، ثم ترك أسلحته نهباً لفصائل وميليشيات يعلم الغزاة جيداً أنها ميليشيات متناحرة: مذهباً وعقيدة وولاء، فماذا كانت النتيجة بعد إحدى عشرة سنة من اجتياح العراق؟ لقد دخل العراق في دوامة الاقتتال، وظل يسبح في بحور من دماء لا تبصر شطآنها، ولم يخرج منها العراق حتى يوم الناس هذا. والشيء نفسه يقال عن سورية، وعن اليمن، وعن ليبيا». واعتبر أن «المؤامرة تلعب على الوتر نفسه، وهو التوتر المذهبي والعرقي والطائفي مع إمداد المتوترين بالسلاح لتندلع الحرائق، ويحصد الموت أرواح الآلاف من شباب هذه الأمة... من المؤكد أن أصحاب هذه الخطط يجنون ثماراً هائلة من وراء اقتتال العرب والمسلمين في ما بينهم، فهذا الاقتتال الدائم يبقي العرب والمسلمين في حال هزال وضعف ويأس مستمر، ولا يسمح لهم بأي شكل من أشكال القوة والتطور والتقدم، ثم هو حرب بالوكالة لا يخسر الموقدون للحروب فيها خسائر تذكر، سواء في الأرواح أو العتاد، ثم أن الاقتتال العربي العربي يفتح أسواقاً كبرى لمصانع السلاح وتجار الحروب وسماسرة الموت والخراب. يكفي دليلاً على ذلك أن المسرح السوري بات على مدى سنوات ساحة مفتوحة لحرب يصطرع فيها السلاح من الغرب ومن الشرق على حد سواء». وعبر شيخ الأزهر عن تقديره والأزهر لجهود خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز «في سعيه الدؤوب لجمع الشمل العربي في مواجهة التحديات والأخطار التي تحدق بالأمة». وأكد أنه «لا ينبغي أن نغض الطرف عن أفكار الغلو والتطرف التي تسربت إلى عقول بعض من شبابنا ودفعت بهم دفعاً إلى تبني الفكر التكفيري واعتناق التفسيرات المتطرفة والعنيفة». وأوضح أن «داعش ليست الفصيل المسلح الوحيد على الساحة، بل هناك ميليشيات أخرى طائفية تذبح وتهجر قسراً في العراق وسورية واليمن، وهناك طوائف مذهبية تحاول جر الأوطان إلى ولاءات إقليمية خارجية باسم الديموقراطية وحقوق الإنسان، كما يحدث في البحرين مثلاً، ولهم شيوخ ومفتون يحللون لهم هذه الجرائم، ويدفعونهم دفعاً إلى اقترافها... في الفم ماء كثير يحول دون الاسترسال في الحديث عن هذه المأساة اللاإنسانية، حرصاً على وحدة المسلمين التي هي الهدف الأسمى للأزهر». واسترسل في شرح مفهوم الجهاد في الإسلام والأخطاء الفقهية التي ترتكبها الجماعات المسلحة في هذا الصدد. ثم تحدث بطريرك الأقباط الأرثوذكس البابا تواضروس الثاني، فأكد أن «المسيحيين اشتركوا مع إخوتهم المسلمين في صناعة الكثير من الثورات والانتصارات على مر التاريخ»، وأن «المسيحيين العرب جزء لا يتجزأ من الأمة العربية، والكنيسة المصرية كانت دائماً مدافعة عن الوحدة الوطنية». وقال إن «الكنائس تعرضت على أرض مصر للهجوم والحرائق المفتعلة بهدف إشعال الفتنة الطائفية إلا أننا تعاملنا مع الأمر بعقلانية وأكدنا أن وطناً بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن، ولهذا فنحن نبحث دائماً عن أساليب جديدة لنحيا في سلام مع أشقائنا المسلمين». وأوضح أن «المبادئ الأساسية في الحياة المسيحية هي السلام والمحبة والحوار الدائم مع كل البشر الذين تجمعهم الأخوة الإنسانية والصلاة لما فيه خير البلاد والعباد مع البعد من ألاعيب السياسة». وتحدث مستشار خادم الحرمين الأمين العام لمركز «حوار الأديان» فيصل بن معمر، فأوضح أن «من الضروري معرفة الأسباب التي تؤدي إلى التطرف، وفي مقدمها إصرار البعض على المواجهة الأمنية فحسب»، مؤكداً أن «المواجهة الأمنية فقط لن تؤدي بحال من الأحوال إلى مواجهة الإرهاب وعنف الجماعات التكفيرية، وإنما لا بد من أن يكون هناك حوار جاد يقوم به العلماء مع الشباب المغرر به بسبب أميته الدينية». وأشار إلى أن «من أهم الأسباب التي تؤدي إلى التطرف النظرة الأحادية إلى أحكام الدين بطريقة تجعل صاحب تلك النظرة يظن أن كل من يخالفه منحرف يستحق القتل وبالتالي يتحول صاحب النظرة الأحادية إلى إرهابي يمارس العنف وهو ما يحدث اليوم من خلال تلك المنظمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش وغيره من التنظيمات التي ظهرت على الساحة». وأضاف: «للأسف ما زال العالم يتعامل معها بمنطق القوة على رغم أن هذا المنطق ثبت فشله بالفعل وبالقول، لهذا فنحن في حاجة ماسة إلى استخدام نظرية الحوار عسى أن تسهم في تخليص شبابنا من براثن تلك الجماعات الإرهابية». ورفض رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر وصف المسيحيين في الشرق العربي بأنهم «أقلية»، مؤكداً أنهم «شركاء للمسلمين ولن يرضوا بمصير غير مصيرهم». ولفت إلى «تصدي المسلمين والمسيحيين معاً للمتاجرين بالدين عبر التاريخ، سواء كانوا يدّعون الانتماء إلى الإسلام أو المسيحية». وقال الشيخ علي الأمين، وهو من كبار علماء لبنان، إن «المسلمين يسعون إلى العيش في سلام مع جميع شعوب العالم ولا يهدفون إلى الصدام مع المجتمع الإنساني، فالدين الإسلامي ليس هو مصدر التطرف، بل إن هذه الظواهر نشأت نتيجة لأسباب عدة أهمها استمرار معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الصهيوني، وهو الذي جعل المناخ ملائماً لظهور حالات التطرف والإرهاب». وأضاف أن «الإرهاب يرتكز إلى خلفية ثقافية يستغلها في تعبئة أتباعه وهي ثقافة مشوهة للدين ظهرت آفاتها في إزهاق النفوس وقطع الرؤوس وتدمير الأوطان».