فتح إعلان اللجنة المركزية لحركة "فتح" عن تشكيل لجنة خاصة لبحث الجوانب القانونية لاقتراح تقدم به عضو في اللجنة لاستحداث منصب نائب لرئيس السلطة الفلسطينية، باباً واسعاً للمنافسة وأشعل بورصة التوقعات التي أذكتها تدخلات أطراف عدة، محلية وإقليمية. ورأى البعض في تشكيل اللجنة بداية نهاية الحياة السياسية للرئيس محمود عباس الذي بلغ ال 79 من العمر، واصطدم خياره السياسي القائم على البحث عن حل سياسي عبر المفاوضات، بجدار الرفض الإسرائيلي. كما رأى البعض الآخر أن الرئيس عباس وافق على هذه الخطوة في هذه المرحلة استباقاً لخطوات إسرائيلية متوقعة تجاهه في حال فشل جهود وزير الخارجية الأميركي جون كيري الرامية إلى التوصل إلى "اتفاق إطار" يفتح الطريق نحو تمديد المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية. ورأى هذا الفريق أن الإعلان عن نهاية العملية السياسية سيدفع الرئيس الفلسطيني إلى تبني خيارات بديلة، في مقدمها العودة إلى الأممالمتحدة، وهو ما يستدعي مواجهة سياسية فلسطينية - إسرائيلية تتطلب منه الاستعداد لها بتعيين نائب له في سلطة تتسم بالهشاشة الشديدة نتيجة الانقسام وتوقف الانتخابات وتعطل البرلمان. ورأى فريق ثالث أن المسألة تشير إلى وجود فرصة لإنهاء الانقسام بين حركتي "فتح" و "حماس" وإجراء انتخابات عامة، ما يتطلب من "فتح" الاستعداد لخوض الانتخابات بحصان رابح هو الرئيس، يرافقه في الحملة الانتخابية نائب له يتولى قيادة السلطة في حال مغادرة الرئيس المشهد لأي سبب كان، خصوصاً أنه متقدم في السن. وثمة فريق رابع يرى أن اللجنة غير جدية، وأن تشكيلها جاء بهدف الالتفاف على المطلب الذي بدا ملحاً أخيراً، وقتله عبر أنجح وسيلة لقتل الاقتراحات وهي تشكيل لجنة لبحثه. ودخل الجانب الإسرائيلي الذي يلعب دوراً مؤثراً في الوضع الفلسطيني، على خط النقاش المحلي في شأن مستقبل الرئيس عباس عندما تم تسريب نبأ لإحدى الصحف العبرية مفاده أن رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو أرسل مدير مكتبه اسحق مولخو إلى دبي للقاء النائب محمد دحلان والتباحث معه في مسألة وراثة عباس. واعتبر النبأ الذي نفاه دحلان رسالة تهديد من نتانياهو لعباس بأن مصيره لن يختلف عن مصير سلفه الرئيس الراحل ياسر عرفات في حال لجوئه إلى المواجهة مع إسرائيل، حتى لو كانت سياسية مثل الأممالمتحدة والمقاطعة. وفتحت الأنباء عن تشكيل اللجنة التي تضم خمسة من أعضاء اللجنة المركزية لحركة "فتح" برئاسة عضو اللجنة، رئيس المجلس الوطني سليم الزعنون، بورصة التوقعات في شأن النائب المحتمل للرئيس عباس. وحملت التحليلات توقعات متناقضة، فمنها من رأى أن نائب الرئيس يجب أن يكون القائد "الفتحاوي" الأسير مروان البرغوثي الذي يتصدر استطلاعات الرأي العام ويتفوق حتى على الرئيس نفسه، ومنها من رأى أن خيار البرغوثي غير واقعي لأنه في الأسر، وأن الخيار الواقعي هو أحد الأعضاء البارزين في اللجنة المركزية، مثل جبريل الرجوب أو دحلان أو محمد أشتية. كما رأى آخرون أن الحل الأنسب هو اختيار عضو في اللجنة المركزية مقبول من الأطراف المختلفة، وبعيد عن مراكز القوى المنتشرة في "فتح" مثل صائب عريقات. ومنهم من دعا إلى إحالة المنصب إلى شخصية مستقلة مقبولة شعبياً من خارج "فتح"، مثل سلام فياض أو شخصية اقتصادية أو أكاديمية. ولا يخفي الجمهور قلقه من حدوث صراع على السلطة في حال مغادرة الرئيس عباس المشهد لأي سبب كان بسبب عدم وجود نظام يحدد من يحل محله في مثل هذه الحالة، وعدم وجود نائب للرئيس. وينص النظام الأساسي للسلطة على تولي رئيس المجلس التشريعي رئاسة السلطة في حال شغور منصب رئيس السلطة لمدة ستين يوماً يصار خلالها إلى إجراء انتخابات عامة. لكن مع تعطل البرلمان الذي كان يرأسه عضو في "حماس" حتى وقوع الانقسام أواسط عام 2007، لم يعد هذا النظام معمولاً به. وقررت اللجنة المركزية تشكيل اللجنة لبحث الجوانب القانونية للموضوع قبل أكثر من شهرين بعد سلسلة اقتراحات قدمها في هذا الشأن عضو اللجنة توفيق الطيراوي. لكن اللجنة لم تعقد اجتماعاً واحداً، ما ألقى الكثير من الشكوك على مدى جديتها. وفي الاجتماع الأخير للجنة المركزية الذي عقد في رام الله الأسبوع الماضي، طالب الطيراوي اللجنة بإظهار الجدية اللازمة أو التنحي وتشكيل لجنة بديلة. ويقول أعضاء في اللجنة المركزية أن اللجنة المشكلة ستنتهي إلى واحدة من سيناريوات عدة، أولها إحالة الموضوع على المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تعد المرجعية السياسية للسلطة، للعمل على تعديل النظام الأساسي واستحداث منصب نائب رئيس. وفي هذه الحالة التي ستستغرق الكثير من الوقت، فإن المجلس المركزي، إما أن يوكل للرئيس عباس مهمة اختيار نائب له من دون إجراء انتخابات، أو أن يستحدث المنصب ويدعو إلى انتخابات عامة. أما السيناريو الثاني، فهو أن تحيل اللجنة الأمر على المؤتمر العام المقبل لحركة "فتح" المقرر في آب (أغسطس) المقبل. والسيناريو الثالث هو أن توصي اللجنة بإجراء انتخابات عامة ليقوم المجلس التشريعي الجديد بتعديل النظام الأساسي. والسيناريو الرابع هو ألا تتعامل اللجنة بجدية مع الطلب، وتعمل على عقد اجتماعات لا تنتهي من دون أن تتوصل إلى نتيجة. وفي حال الاتفاق على استحداث المنصب، فإن "فتح" مرشحة لأن تشهد الكثير من الخلافات في شأن من يتولى اختيار نائب الرئيس. وقال عضو في اللجنة إن "المشكلة التي سنواجهها هو قيام الرئيس نفسه باختيار نائبه". لكن عضواً آخر هو الرجوب رأى أن على الرئيس أن يختار نائبه لأسباب سياسية ووطنية، مضيفاً: "يجب أن تتوافر ثلاث صفات في نائب الرئيس، أولها أن يكون مؤمناً ببرنامج فتح، وأن يكون مقبولاً شعبياً، وثالثاً أن يكون الرئيس مقتنعاً بأنه سيساعده وليس أن ينافسه أو يعمل على تقويض نظامه". لكن الكثيرين يرجحون بقاء الوضع الراهن على ما هو عليه من دون تغيير، ومن دون انتخابات، لحين حدوث تطور كبير من نوع مغادرة الرئيس المشهد لأي سبب كان، وحينها سيحدث التغيير الذي لا يعرف أحد في أي اتجاه سيسير.