«لست محايداً، أنا منحاز لمَن هم تحت، لمَن ينامون في مصر بين قبور الموتى، ولمَن يخرجون من حواري الخرطوم يمزقون بأيديهم سلاسلهم، ولمن يقرأون كتاب الوطن بالمخيمات، أنا ناجي العلي رسام الكاريكاتير العربي من فلسطين». لا ليست الكلمات بتعريف، بل تأكيد للمعروف، لا توصيف بل تذكير بالمنسي. هي إذاً أحرف جاءت على لسان شخصية ناجي العلي التي جسدها الفنان نور الشريف في الدقائق الأولى من العمل المصري اللبناني الذي تناول حياة «ابن المخيم» في فيلم. فيلم تحركت طائرات رئاسية عربية، وحرضت حكومات عبر إعلامها، محاولة النيل منه، لأنها رأت ربما في تشويهه أماناً لها، وفي منعه تستراً عليهم. لكن يبدو أن التستر لم يستمر طويلاً وإن مرت عليه اثنان وعشرون عاماً من تصنيع العمل؛ فالفيلم الذي أُنتج في 1992 (من أعمال عاطف الطيب رائد الإخراج السياسي في مصر)، تلقى منذ اللحظة الأولى قرارات بمنع العرض على شاشات التلفزة العربية، وتأكد أن قرارات المنع تلك لم تصمد كثيراً، فالتقادم وحده لا يكفي، وخصوصاً أن تلك التلفزة تراجعت عن قرارات المنع أمام صعود القنوات الفضائية وعرضها للممنوع قبل المرغوب، وكان آخرها خامس أيام عيد الأضحى، حين أعلنت التلفزة المصرية قرار التراجع عن منع الفيلم، وعرض «ناجي العلي» لأول مرة كفيلم للسهرة أخيراً. وأخيراً يصدحها «ابن المخيم» من داخل استوديوهات مبنى الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو)، هناك على ضفاف النهر: «أنا ناجي العلي، ولدت حيثما ولد المسيح»، عارضاً رسوماته الكاريكاتيرية الشديدة النقد لحكام عرب، متذكراً خلال الفيلم ما وقع لقريته الشجرة الواقعة بين طبرية والناصرة، كما جاء في بداية الفيلم، أثناء الاجتياح الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في 1948. «تصحيح لقرار لم يلِق بالإعلام المصري، وعلى مَن يسعى لمنع أي عمل فني فيدرك أنه واهم»، تقول ماجدة موريس، الناقدة السينمائية المصرية، التي تعتبر قرار عرض الفيلم عاكساً لتوجّه جديد للدولة المصرية. وتزيد: «اعتدنا أن كل الأفلام التي تحمل بُعداً سياسياً بتناولها سواء شخصية مثيرة للجدل أم قضية عامة، يرتبط عرضها من عدمه بموقف النظام من مضمونها»، مؤكدة أن «هذا الأمر كان مقتصراً على الماضي، أما الآن فالأنظمة السياسية لن تستطيع أبداً أن تتدخل لمنع إنتاج فيلم أو حتى عرضه». وتلفت موريس إلى أن قرارات المنع للأعمال الفنية «غالباً ما تصدر عن جهات رسمية سيادية تتحكم في ما يعرض وما يمنع، وتأتي عملية الاختيار بناءً على معايير توضع تحت بند الأمن القومي»، موضحة أن هذه القرارات «لم تقتصر في مصر على الأعمال الفنية السياسية فقط، بل طاولت أيضاً الإعمال الدينية مثل مسلسل «عمر» أخيراً، ومن قبله الأفلام الإيرانية المتناولة لحياة السيدة مريم العذراء، والنبي يوسف». وتشدد على أن أي عمل ممنوع على شاشات معينة يمكن للمشاهد أن يراه على شاشات أخرى، «ما يعني أن المنع سبيل لم يعد مُجدياً كثيراً، والأفضل من المنع أن يتم العرض وفتح النقاش حول ما كان يحق عليه الحظر في الماضي».