قسوة الحرب لا تكمن فقط بالدمار الذي تلحقه في مباني المدن وشوارعها، بل تطاول الحياة بتفاصيلها كافة فتقلبها رأساً على عقب لتصبح جدران المنزل قماشاً مهترئاً، وبخطفها أرواح الكثيرين وارتفاع عدد الأيتام والأرامل والمفقودين. «أبو كاظم» هو أيضاً جزء من هذه المعادلة الصعبة التي حوّلته من بطل على مستوى الجمهورية العربية السورية برمي الكرة الحديد، إلى مقاتل ضمن صفوف الجيش الحر، مستبدلاً عدّة البطولة بأسلحة وقنابل. لقاء أبو كاظم لم يكن بالأمر بالسهل وذلك لمرابطته على خطوط الاشتباك الأمامية في مدينة دير الزور، شرق سورية، في الجزء الذي تسيطر عليه قوات المعارضة، حيث لا يبعد عن قوات الأسد سوى بضعة أمتار وتفصله عنها قطع قماش موصولة بين الأبنية لردع القناصين. كان كلّ شيء متواضعاً، المكان وملابس «أبو كاظم»، إلا اللقب الذي حصل عليه لفوزه في بطولتين برمي الكرة الحديد الأولى على مستوى مدينة دير الزور والثانية على مستوى الجمهورية العربية السورية محتلاً المركز الأول فيها. الأحداث التي حوّلته «لا إرادياً من بطل رياضي إلى مقاتل، ما زالت تقف عائقاً أمامه في ذكر اسمه الكامل خوفاً على أفراد عائلته» حيث يقول ل «الحياة»: «إنّ النظام الذي دمّر البلد وتعامل مع المدنيين بوحشية يفرض علينا الحذر في التعامل معه». «أبو كاظم» كغيره من اللاعبين الرياضيين على رغم ألقاب البطولة التي حاز عليها، إلا أنها لم تكن كافية كمصدر رزق له فهو كان يعتبر ممارسته لعبة رمي الكرة مجرّد «هواية إلى جانب عمله الأساسي في مجال البناء» على حدّ قوله. الحرب كانت سبباً في خسارة الكثيرين أعمالهم ودفعتهم للقتال في جبهات مختلفة، وبأسلوب لا يكاد يخلو من الفكاهة تحدّث «أبو كاظم» عن مشاركته في القتال مع الجيش الحر كقائد ميداني في إحدى الكتائب ف «استبدل الكرة الحديد بقذائف وديناميت محلّي الصنع، ليتحوّل إلى رام محترف على جبهات القتال». شهرة البطولة على مستوى الكتائب المقاتلة الكرة الحديد التي أكسبت «أبو كاظم» شهرة على مستوى الجمهورية، تحوّلت إلى عبوات ديناميت أكسبته شهرةّ أيضاً على مستوى الكتائب المرابطة في دير الزور، والتي كثيراً ما تلجأ إليه لرمي قذائف الهاون باتجاه الطرف المتاخم لها والذي تتمركز فيه قوات نظام الأسد. «هو مسار لا خيار» بهذه الكلمات يصف «أبو كاظم» الطريق الذي سلكه ليصبح رامي هاون وقنابل ضمن صفوف الجيش الحر، «لم يترك لنا النظام الخيار بأن نمد أيدينا له أو لعناصره، فهو يستهدف الجميع، المدني قبل العسكري، فلم يكن أمامنا سوى أن نحمل السلاح ونقف بوجه من قتل أهلنا وشردهم، وما إن تنتهي الحرب سأترك السلاح وأعود إلى عملي في مجال البناء، فهناك الكثير لنعيد بناءه، وستكون سورية الغد أفضل من سابقتها، والأهم من دون سلاح». يقول السياسي البريطاني وليم غلادستون: «الحرب مأساة يستعمل فيها الإنسان أفضل ما لديه ليلحق بنفسه أسوأ ما يصيبه»، مقولة قد تصف الحالة التي يعيشها «أبو كاظم»، غير أن الحرب هي التي غيرت مسار حياته ليتحول من بطل للجمهورية إلى «مقاتل يسعى إلى إعادة بناء جمهورية تتناسب وتطلعات جمهور بات يشجعه في ساحات القتال».