تتقاطر الوفود التجارية الغربية على طهران، وفي مطلع الشهر زار مئات من مديري الشركات الفرنسية العاصمة الإيرانية ومثل هذه الزيارة يعد سابقة منذ 30 سنة. الوفد الفرنسي هو أكبر وفد اقتصادي غربي يقصد العاصمة الايرانية منذ انتخاب حسن روحاني في حزيران (يونيو) الماضي. وتسعى «ميديف» أكبر نقابة شركات في فرنسا، لاقتناص الفرص التي سنحت إثر ابرام اتفاق جنيف في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي والذي رفع بعض قيود الحصار الاقتصادي عن إيران التي تملك ثاني احتياط غاز في العالم ورابع احتياط نفطي. ولا يستهان بفرص السوق الايرانية إذ تستقطب 80 مليون مستهلك. وأعداد سكان المدن تتعاظم وتبرز حاجتهم الى سلع ومعدات وبنى تحتية. لكن الزيارة نظمت في سياق ديبلوماسي دقيق، وعين وزارة الخارجية الفرنسية وواشنطن عليها، فهما تراقبانها من كثب. وتخشى الإدارة الأميركية ان تنتهك الشركات الغربية، ومنها الفرنسية، العقوبات المفروضة على إيران. وأبرز شركات الطاقة الفرنسية، اي «توتال و «جي دي أف سويز» و «ألستوم» و «شنايدر الكتريك» شارك في هذه الزيارة، لكن حصة الأسد هي لقطاع السيارات. فعلى رأس الوفد الفرنسي باتريك بلان، رئيس لجنة مصنعي السيارات. وساهمت شركتا «رينو» و «بي أس أ» الفرنسيتان بالتعاون مع «إيران خودرو» و «سايبا» في تصنيع ثلث المركبات الإيرانية. ولا يخفى ان الملالي لا ينظرون بعين الرضا الى شركة «بي أس أ» التي سارعت الى الانسحاب من ايران في 2012 قبل فرض العقوبات الأوروبية، نزولاً على طلب الحليف الاميركي. وعلى خلاف الشركة هذه، لم تطوِ «رينو» اعمال التصنيع في الجمهورية الاسلامية إلا في العام الماضي، لكنها لم تسحب ممثليها. وفي غياب الشركتين الفرنسيتين، رجحت كفة الشركات الكورية والصينية، لكن سوق السيارات انهارت وخسرت 40 في المئة من حجمها. وتبحث شركة لافارج الأولى عالمياً في قطاع الإسمنت، في الاستثمار في السوق الإيرانية. وحملت شركة «سويز انفيرانمون» (سويز للبيئة)- وهي تعمل منذ سنوات في ايران عبر شركتها الفرعية «ديغريمون»- معها الى طهران مشاريع لتحلية مياه البحر. ولكن لا يسع الشركات ابرام عقود في هذه المرحلة. جل ما في مقدورها هو رصد حجم السوق وفرصه والاتصال بالمعنيين باستثماراتها. وتغلب على الاتصالات هذه العلاقات السياسية. فالقطاع العام يحكم قبضته على 80 في المئة من الاقتصاد. وعلى رغم ان مؤشرات الانفتاح على السوق الايرانية كثيرة، تلتزم الشركات الغربية الحذر. فعلى سبيل المثل، يقول مسؤول في شركة «سيسترا» التي ساهمت في انشاء شبكة مترو طهران في السبعينات، أن العقوبات لم تحظر نشاطات الشركة، لكن المصارف رغبت في تجنب أخطار إدارة اموال مصدرها ايران. وحري بالفرنسيين التخلي عن التلكؤ، ففرص السوق الإيرانية ليست في منأى من المنافسة. والبريطانيون سارعوا الى ايفاد برلمانيين لمناقشة الاستثمار، وإيطاليا أوفدت وزير الخارجية، ووزير الزراعة الإيراني زار ألمانيا اخيراً. ولن يحول موقف وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، الحازم في مفاوضات جنيف- وهو ساهم في توتر العلاقات الفرنسية- الإيرانية- دون إبرام عقود استثمارية. فالإيرانيون «براغماتيون» في إدراة الأعمال، ولن يفوّتوا ما قد يصب في مصلحتهم، كما يقول تييري كوفيل، الباحث في معهد «إيريس» الفرنسي. * عن «لوفيغارو» الفرنسية، 2/2/2014، إعداد منال نحاس