على شاشة «أم بي سي مصر» ظهر الساخر «باسم يوسف» في أولى حلقات برنامجه «البرنامج» بعد انتقاله إلى هذه الشبكة. والانتقال لم يدهش أحداً فالكل كان يترقب تلك الشحن الساخرة التي يقدمها باسم يوسف. غير أن المعضلة الحقيقية في حلقة بعد العودة تبدو هي نفسها معضلة الحلقة التي أوقفت البرنامج على شبكة CBC أي الموقف من المشير السيسي، وامتحان صبر جماهير هذا الأخير. بذكائه المؤكد تناول باسم يوسف الكرة وقذفها إلى ملعب هذه الجماهير نفسها بعد مقدمة «كلاسيكية» عن العلاقة بين «المنتج» والعامل معه، أتت في شكل كاريكاتوري، لم ينس «البرنامج» بعدها أن يتناول الحلقة التي أوقفت، معبّراً عن تساؤلات عدة عما هو قادم مستغلاً وجود مدير الشبكة الجديدة علي جابر بين الحضور ربما ليضعه في «الصدارة» على أرض الواقع. لعل اختبار «دائرة البرامج» الذي قدمه «البرنامج»، الفقرة الأهم التي كشفت عما لم يقصده باسم يوسف وفريقه في ما يخص علاقة المصريين بالمشير السيسي، ففي الوقت الذي اختار مقدم البرنامج وزملاؤه الثلاثة أي نوع من البرامج يقدمون، بادئين بتجنب البرامج السياسية التي تسبب الحساسيات، جاءت نتائج الاتجاه إلى البرامج الطبية والاجتماعية وبرامج الطبخ وحتى الرياضية، لتكشف عن هذا الحس الشعبي الجارف تجاه رجل اعتبره الناس بطلاً شعبياً ومنقذاً. ومراجعة النماذج التي قدمها البرنامج حول صور استخدام اسم وصورة السيسي تؤكد هذا وتؤكد أيضاً أن الأمر ليس انتهازية سياسية مطلقاً وإنما البحث عن الأمان الضائع والشعور بالخطر الداهم الذي خلقته سلوكيات حكم سابق هدد الدولة كلها في عام واحد بما لم تتهدده في تاريخها كله، أو على الأقل، تاريخ هؤلاء المواطنين الذين يعيشون فيها الآن. لقد كشفت هذه الفقرة عن أطياف واسعة من المصريين من كل الطبقات والمهن، لها الرؤية نفسها والرغبة في الاستقرار، وترى في السيسي حجر الزاوية في تحقيق هذا الحلم، وهو ما يبدو أن مقدم «البرنامج» استوعبه جيداً، فإن لم يفعل سيكون قد ابتعد كثيراً عن نبض هذا الشعب. لكن هناك أسئلة أخرى إلى «البرنامج»، تبدو ضرورية: ألم يلفت نظره الانفجارات التي روعت المواطنين؟ وتخريب المنشآت العامة؟ والعنف الذي يمارسه بعض طلاب الجامعات وطالباتها تجاه أساتذتهم، خصوصاً في جامعة الأزهر؟ ألم تلفت نظره المحاولات الفاشلة والناجحة لاغتيال رجال الأمن؟. ألم يلفت نظر «البرنامج» ما يحدث في سيناء على يد الذين هبطوا من كل مكان، حاملين آيات التطرف ونظريات القاعدة؟ ثم لماذا يترك البرنامج كل ما يحدث في حياتنا من سوء أداء وانفلات نشكو منه جميعاً وهي مادة قد تعتبر كنزاً لأي برنامج إذا أراد أن يكون صوتاً للجماهير التي تدفع الكثير من أمنها وقوتها من أجل غد أفضل... وهي تدرك ذلك جيداً لكنها تدرك أيضاً أن هذا الغد مرهون بمن يصدق معها ويقدر على حمايتها؟