تواجه وزارة التعليم الأردنية سنوياً مشكلة مئات الشهادات المزورة التي يحصل عليها مواطنون من جامعات في دول تعاني فوضى أمنية وأخرى ذات مستوى معيشي متدن. وضبطت الوزارة في العامين الماضيين نحو500 شهادة مزورة، فيما اكتشفت خلال شهرين فقط 40 شهادة مزورة أخرى. ويعد ملف الشهادات المزورة من أخطر وأعقد الملفات التي يعاني منها الأردن، بخاصة أن التزوير امتد إلى المهن الطبية التي لا تحتمل أي خطأ ناتج من جهل بالتخصص، اضافة إلى اكتشاف دول عربية تعتمد مؤسساتها على العمالة المؤهلة والمدربة القادمة من الأردن. وأبرز هذه الدول المملكة العربية السعودية التي اكتشفت أخيراً أن 61 مهندساً أردنياً يعملون لديها يحملون شهادات هندسة مزورة. ويتوجه الطلاب الأردنيون في الغالب إلى الدول التي يكون فيها التعليم قليل التكلفة وسهل التحصيل مع غياب انتظام الدراسة الجامعية كما أن عدداً كبيراً من الطلاب ينتسبون إلى جامعات في دول شرق آسيا وبعض الدول الآسيوية غير العربية. في إحدى الجامعات الشرق الآسيوية تم قبول أكثر من ألف طالب وطالبة في فترة الثمانينات وبداية التسعينات، لكن عندما أصبحت الرسوم الجامعية في هذه الجامعة أعلى من ذي قبل وارتفع مستوى الانضباط اعتزل الطلاب الجامعة، واتجهوا إلى الدول التي فيها شروط التعليم متدنية وضعيفة، وهذا يشير إلى أن مستوى التعليم في هذه الجامعات متدن أو أن الشهادات الصادرة عنها مزورة كما حدث في جامعات عراقية في أعوام سابقة. وتتوزع الشهادات المزورة التي يحصل عليها الأردنيون على كل من الدول التالية: أوكرانيا وروسيا ومولدافيا والعراق وسورية ومصر وباكستان وخصوصاً السودان. وتعتمد وزارة التعليم العالي الأردنية على إجراءات عدة بالتنسيق مع ديوان الخدمة المدنية لضبط الشهادات المزورة، إذ شكلا لجنة مركزية للتأكد من معادلة الشهادات وحصر الحالات والتأكد من المعادلة والمصادقة وصحة الأختام النموذجية المعتمدة لدى الوزارة. وفي العادة تتم مراسلة المستشار الثقافي أو مراسلة الجامعة من خلال وزارة الخارجية أو السفارة في البلد المعني للتأكد من إصدار الجامعة للشهادة، لكن الوزارة الأردنية تشكو من رفض الجامعات العراقية الرد على مخاطباتها. وتقول وفق مسؤول فيها «يرفضون الرد علينا فقد حاولنا الاتصال بهم عبر مختلف الوسائل لكن من دون فائدة». ولا تخفي السفارة العراقية في عمان حجم المشكلة، مؤكدة انه «بين فترة وأخرى نقوم بضبط عدد كبير من الشهادات العراقية المزورة سواء كانت لطلاب أردنيين أو عراقيين لكننا نباشر على الفور بإتلاف هذه الشهادات». وتضيف ان» هناك طلاباً ادعوا أنهم تخرجوا من العراق وحصلوا على شهادات مزورة تم اكتشافها بسرعة». ويؤكد المسؤول الأردني أن الوزارة لا زالت تحصي أعداد هذه الشهادات بسبب عددها الكبير والتأكد من ان للطلاب المتقدمين بهذه الشهادات سجلات ووثائق في الجامعات التي درسوا بها. والشهادات بشكل عام تخضع لعمليات مراقبة شديدة سواء كانت صادرة من المدارس أو المعاهد أو الجامعات في العراق. وينفى تعرض الوزارة لأية ضغوطات للمصادقة على شهادات مزورة، مؤكداً أن الوزارة تنفذ إجراءات معادلة الشهادات بكل شفافية ودون النظر إلى نفوذ أو منصب صاحب الشهادة. وبيّن المسؤول الأردني أن بعض الشهادات المزورة تعود لأشخاص يعملون في القطاعين العام والخاص بينهم أطباء في وزارة الصحة، سيتم إحالتهم على المدعي العام وإيقافهم عن العمل بمجرد إخبار الوزارات التي يعملون بها. وأوضح أن ما يعيق آلية المتابعة هو أن بعض الدول لا يوجد لها في الأردن مكاتب ثقافية تقوم بمهمة تأكيد صحة هذه الشهادات الأمر الذي يزيد من صعوبة الموضوع عند مخاطبة هذه الجامعات. وكان رئيس اتحاد المهندسين العرب ونقيب المهندسين الأردنيين، عبدالله عبيدات، كشف في تصريح صحافي عن وجود 1300 أردني مزوِّر لشهادة الهندسة، ويعمل بصفة مهندس من بين أكثر من 20 ألف مهندس أردني، يعملون في المملكة العربية السعودية بشكل نظامي. وبيّن رئيس الاتحاد أنه جرى الاتفاق بين هيئة المهندسين السعوديين وهيئة نقابة المهندسين الأردنيين على الربط الإلكتروني لضبط عمليات التزوير من خلال موقع على شبكة الإنترنت، يحتوي على أسماء المهندسين السعوديين والأردنيين المسجلين بشكل نظامي في الهيئة. ويرى رئيس الجامعة الأردنية إخليف الطراونة أن الشهادات المزورة التي يتم ضبطها سنوياً لا تشكل ظاهرة في الأردن ولا تشكل تهديداً لسمعة التعليم العالي بل على العكس فإن مجرد ضبط الأجهزة الرقابية هذه الشهادات يعتبر دليلاً على قوة الإجراءات التي تحول دون مرور أي وثيقة جامعية مزورة مهما كان مصدرها مشيراً إلى أن معظمها يأتي من الدول التي شهدت حروباً مثل العراق وغيرها من الدول. بيد أن الطراونة يرى أن تكرار ضبط هذه الشهادات يستدعي التعميم على الجامعات الرسمية والخاصة بزيادة الإجراءات الرقابية لمعاينة أي شهادة من خلال دائرة التوثيق في كل جامعة.