عقدت الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون أخيراً، اجتماعاً مغلقاً برئاسة رئيس مجلس الإدارة سلطان البازعي، بحضور المدير العام للجمعيات عبدالعزيز السماعيل ومديرو أفرع الجمعية في المملكة، وذلك لمناقشة موازنة الجمعية بهدف ترشيد المصروفات والدعوة إلى التقشف، وعلمت «الحياة» أن هناك تذمراً كبيراً داخل الجمعيات من الموازنة المخصصة لها سنوياً، وكذلك من خطة التقشف التي تمت مناقشتها في الاجتماع، وتقرر تقتير المصاريف بقطع نصف المكافآت لجميع المتعاونين من كتّاب ومسرحيين وفنانين، إذ لم تجد الجمعية أي تجاوب من الوزارة لرفع موازنتها السنوية البالغة نحو 13 مليون ريال فقط، هذا مع عدم توافر مصاريف المكافآت ورواتب بعض العاملين عوضاً عن توقف الأنشطة كافة، وتفاجأ جميع الأعضاء من هذه الدعوة للتقشف، ما يعني إيقاف معظم مشاريعها الثقافية خلال هذا العام 2014. وفي هذا الشأن تحدثت «الحياة» مع عدد من أعضاء الجمعية متسائلة عن أسباب طرح هذه الخطة، ومدى إدراك وزارة الثقافة للوضع المالي للجمعيات وما تعانيه من شح في مواردها. وصرح رئيس مجلس الإدارة الأستاذ سلطان البازعي بأن «الجمعية توسعت في أعمالها وأنشطتها خلال الأعوام القليلة الماضية، ولكن هذا التوسع لما يصاحبه زيادة في المخصصات المالية المقطوعة والمحددة مسبقاً، ما اضطرنا إلى التفكير في ترشيد الموارد المالية والكادر البشري للجمعيات، وبالتالي خفض عدد الأنشطة والفعاليات والعمل على ما يمكن تنفيذه». مشيراً إلى أن هناك 16 فرعاً في مدن المملكة، وكل فرع له مطالبه والمخصص المالي للأفرع كافة لا يغطي مصاريف التشغيل والصيانة والإيجارات، إضافة لرواتب العاملين، وأن مبالغ هذه المصاريف تفوق المعونة السنوية بما يتجاوز ال3 ملايين ريال. وأضاف البازعي: «الجمعية تعوزها البنية التحتية، فلا تملك المباني المهيأة لأنشطتها، ما يزيد الأمر صعوبة عند تنفيذ خططها الثقافية واضطرارها باستمرار لإعداد مواقع غير صالحة ومكلفة في صيانتها وتجهيزها». موضحاً أن أنشطة الجمعية متعددة من مسرح وفنون تشكيل وتصوير ضوئي وحتى أعمال سينمائية وموسيقى، بخلاف نشاط الأندية الأدبية المحدود. وعن دور وزارة الثقافة حيال هذا الإشكال قال البازعي: «هناك محاولات مع وزارة الثقافة والإعلام لرفع هذه الإعانة المقرة نظاماً، لكون الجمعية تعد من المؤسسات المدنية المستقلة وبالتالي لا يمكن مناقشة رفع مخصصاتها بما يتوافق ومتطلباتها، كما تفعل القطاعات الحكومية الأخرى»، مشيراً إلى أن دورهم يتوقف عند عرض المشكلة وما تعانيه الجمعية حالياً، مبدياً أسفه فجميع المناقشات مع الجهات الحكومية لم تتقدم بما يدعو لانفراج المشكلة حول الشأن المالي تحديداً، ومعبراً أن: «خريطة الثقافة غير واضحة في برامج التنمية وبالتالي عند صاحب القرار المالي» بحسب إجابته على السؤال ما إذا كانت الثقافة والفنون ليست من أولويات الدولة، إلاّ أن وزير الثقافة والإعلام بحسب تصريحه: «وعد بحلول مثالية في القريب العاجل»، كما ذكر أنهم في مجلس الإدارة يجرون حالياً مفاوضات مع القطاع الخاص حيال إمكان دعم الجمعية لرعاية أنشطتها، بينما المصاريف الأساسية ستبقى مطلباً ملحاً على الجمعية، ولا يمكن توفيرها بطرق موقتة. وبسؤاله عن انطباعات مديرو الأفرع خلال الاجتماع المنعقد أخيراً في الرياض قال: «إن الوضع صعب جداً عليهم كما هو صعب علينا عند مواجهة احتمال تسريح بعض العاملين أو الاعتذار من المبدعين والفنانين عند قطع المكافآت أو التقليل منها»، ووضّح أنه بنهاية الاجتماع تم تدارس الأمر لإيجاد صيغة مناسبة لتوفير الموارد المالية من دون المساس برواتب العاملين أو بمكافآت المتعاونين، مع أهمية وضع أولويات للصرف. ومن ناحية عبّر مدير فرع الجمعية في أبها أحمد السروري عن أهمية دور الثقافة والفنون بصفته مشروعاً إنسانياً مهماً من مشاريع الدولة، مضيفاً «إن مداخلات العمل المؤسسي قد تكون خاطئة، ولم تستطع تحديد وتحقيق أهداف ورؤية الجمعية ورسالتها ووضعها على الأقل في المسار الصحيح، ومواكبة التطور المادي والتقني وحتى الفني» وذلك قياساً على الطموح الكبير للاستمرار في تقديم رسالة الفن كقيمة إنسانية وجمالية من خلال جمعية الثقافة والفنون باعتبارها تجاوزت حدود الممكن إلى مربع العمل الاحترافي، نظراً لعمرها الذي يمتد لأكثر من 40 عاماً، حافلة بعطاءات ومنجزات متمثلة في برامجها وفعالياتها. وأشار إلى أن هناك: «تغييرات وتحولات مررنا بها، والجمعية جزء من هذا النسيج المجتمعي الكبير، تحتاج إلى الكثير والكثير، وهذا لن يتأتى إلاّ بدعم مادي واضح وصريح للجمعية»، ورأى أن يكون الدعم ممكناً من وزارة الثقافة والإعلام، إضافة إلى تدخل إجرائي من معالي وزير الثقافة والإعلام لإنقاذ الموقف، ووضع الأمور في نصابها الطبيعي من جهة ورفع سقف الإعانة السنوية للجمعية من جهة أخرى. مؤكداً أن هذه رسالة من الفنانين والفنانات كافة للالتفات إلى الجمعية ودعمها، وهي دعوة موجهة لتكريس مبدأ الشراكة التي تقوم على تبادل نفعي كبير، حتى يتناسب ويتماشى فعلنا الثقافي والفني مع المعطى العصري، وتستقيم معادلة الفن. من جهته، شدد مدير فرع الجمعية في الطائف فيصل الخديدي على الجانب القيمي والإنساني لرسالة الثقافة والفنون، وما تقدمه للأمة ولأبنائها من رقي وحوار مع الآخر وتفاعل إنساني كبير، قائلاً: «إن الثقافة والفنون واجهة الشعوب وضمان إبداعها». مضيفاً أن «المؤسسات الثقافية السعودية عملت على شيء من ذلك على رغم ضعف الإمكانات وعدم توافر البنية التحتية». كما أوضح الخديدي أن الأمر زاد سوءاً بثبات المعونة الشحيحة أصلاً لأحد أهم المؤسسات الثقافية والفنية رعاية للنشء والمواهب التي تعاني ضعفاً في مواردها منذ أعوام، «وزاد الأمر إحباطاً بعد إعلان الموازنة للدولة، والتي لم يخصص للثقافة والفنون منها ولا حتى الفتات» - بحسب تعبيره -، فوضعت الإدارة العامة للجمعية «خطة تقشف» في ما يحد من نشر الثقافة والفنون، واعتبر ذلك «وصمة عار في جبين الثقافة المحلية». وأنهى حديثه إلى «الحياة» بأنه يأمل في دعم الدولة للثقافة والفنون حتى تواصل المؤسسات الثقافية دورها الوطني ورسالتها للمثقفين الواعين، مبتعدة بهم عن التيارات المتطرفة والمنحرفة كافة.