يختصرها البعض، وأنا منهم، ب«الإمارات»، ليس كسلاً من نطق اسمها الرسمي (الإمارات العربية المتحدة) كاملاً، بل لأن الكثير يعرف أن صفتي «العربية» و«المتحدة» جزء من التكوين الإماراتي. أهلها عرب منذ أن كانت سفنهم تمخر عباب البحار والمحيطات، وهم متحدون منذ أن بنوا قلاعهم على أطراف الماء في «جلفار». الإمارات قادتها ذهب زُين بماء القلب بعدما جبل بتراب الأرض، وأهلها لؤلؤ تزينت به قلوب أبناء العمومة قبل أن تتزين به قيعان البحار والمحيطات ورقاب الحسان. ولو لم يقل سعيد عقل هذا البيت الجميل في أهل لبنان، لقلت إنه على أهل الإمارات: أهلي ويغلون يغدو الموت لعبتهم إذا تطلع صوب السفح عدوان الإماراتيون قادة وشعباً، عانقوا عنان الغيم، إنجازاتهم جعلتهم يحكون السماء بأنوفهم، ليس كبراً، لكن اعتزازاً بمنجزهم الحضاري. أهدوا للنجوم الضوء. سافروا في المستقبل إلى ما بعده. امتشقوا سيوف التراث. ألهموا «النهام» صوت البحر. فكان لصوت «الردادة» وقع المطر. ما بين الصرخة الأولى ل«النوخذة» و«جرة» البحارة وسحب المرساة استعداداً للسفر، يكمن تاريخ الإمارات المرصع بعرق الأهل، وتعب السواعد السمراء. جاء زايد.. جاء «السردال» الذي قاد أسطولاً مكوناً من سبعة سفن إلى ضفاف الضوء وحدود الغيم، كان لكل سفينة في «أسطول السردال زايد»، نوخذة ماهر يعد بحارته لرحلة من تعب ينتهي بصيد ثمين. كان النواخذة يعلِّمون مواقعهم في عرض البحر قبل ظهور آلات الملاحة الحديثة، بضوء السردال زايد بن سلطان آل نهيان، وهم لا زالوا يستدلون على أهدافهم بضوء أبنائه. لم تتعب الرحلة قائد الأسطول، بل إن «الهيرات» تعبت من قدمي «السردال» و«نواخذة» أسطوله، فتفجرت الأرض تحت أقدامهم في البداية لؤلؤاً أبيضاً وفي الأخير ذهباً أسوداً. كان السردال زايد يزود نواخذته بما يحتاجون. يهيئ لهم «الديين» و«الحجر» و«الزبيل» وأخيراً «السكين» الذي يدافع به الغواص عن نفسه. لم يكن زايد بخيلاً على نواخذته. فأهداه شعبه كل الألقاب التي يستحقها. وهو «قائد» يستحق ألقاباً لم تأت عليها لغة العرب. زايد رحل بعدما اطمأن على وطنه وشعبه، وهاهي الإمارات بعده تمخر عباب المستقبل بحثاً عن كل ما هو جديد. ليس مهماً أن تتهجى اسمها كاملاً، يكفي أن تقول الإمارات، ليأتيك صوت أحمد راشد ثاني وظبية خميس وحبيب الصائغ وعارف الخاجة، محملاً بالبَرَد والغيم. وحدها الإمارات تعني الإمارات. وحدها تغني للمستقبل وتسافر إليه. وحدها تختصر المسافة بين الحلم والواقع. في عيدها ال43 تستحق أن يغنّى لها بكل اللغات، بما في ذلك لغتي الضوء والعيون. الإمارات سيمفونية ضوء عربية على ضفاف الخليج. شكراً خليفة بن زايد. شكراً محمد بن راشد. شكراً محمد بن زايد. شكراً أهل الإمارات. وكل عام وأنتم في عناق مع غيم جديد. كبير مراسلي «الحياة» في السعودية.