الفن كأي علم آخر إن شئنا دراسة تبعاته وما قد يحفزه وينميه ويحيط به من متغيرات اجتماعية اقتصادية سياسية فكرية نفسية كتركيبة كاملة حول كينونة المجتمع، فكلما ازدهر واتضحت أساليب التعبير فيه وتنوعت، كلما انعكست علينا صورة ذلك المجتمع بشكل أدق وأوضح، ولتتضح الصورة لا بد من وجود حاضن لتلك الفكرة. وليكون حاضن الفكرة إياه مبدعاً في تكوين رسالته والمشهد الذي يود أن ينقشه في سماء خيالنا التشكيلي، لا بد من مساحة يتنفس فيها أوسع مما قد يحيكه الرقيب. أبعد مما قد يتوقعه الجمهور. قبل سنتين من الآن كانت بلدنا تحفل بما يشبه العرس التشكيلي والفني المتنامي بسرعة مدهشة، حين قرر أن يتواطأ القائمون على الساحات التشكيلية في مدينة جدة للقيام بأسبوع الفن «جو» واستقبلوا فيه غاليري جديداً ويعد من أهم «المؤسسات» إن شئنا الإشارة إليه بذلك في مجال الفن التشكيلي للشرق الأوسط، حاول أن يزهر ذلك الغاليري ليمدنا بما يقدم من ألوان وأفكار غنية وجميلة وأصيلة. جرب أن يكبر في مدينة جدة ليتحد مع القائمين هناك في صناعة «البهو التشكيلي» في المملكة. لكن فوجئنا بإغلاقه خلال الأسابيع الماضية وحلول غاليري آخر مكانه، ليس بالتأكيد تقليلاً من شأن البديل، بل هو شيء جميل أن تنمو مساحة جديدة محتوية للفن في بلادنا. لكن أن يتقاعس وينهزم غاليري ذو نفوذ كبير ومهمة في الشرق الأوسط ويكاد يوثق جذوره نحو العالم. أن ينأى عن العرض ومواصلة رسالته على أرضنا ويكمل طريقه نحو مدن أخرى. حاولت التواصل معهم في الحقيقة لفهم أسباب التوقف في جدة، لكن لم يفدني أي من مكاتبهم بأية معلومة، ويكاد يكون هناك تعتيم إعلامي حوله. ليس هدفي الحديث عن هذا المعرض تحديداً، بل ما قد يطارد راحة معرض بهذا الحجم على ساحة التشكيلي السعودي وما جعله ينسحب من البناء معنا، لكي نصنع معاً هذا الحلم للبنيان المرمري الذي يمدك بالدهشة في كل مرة تحدق به متأملاً. أن تصل إلى ما يرضي لهفتك بذلك الشيء اللامأهول. بالشيء الجديد غير الاعتيادي. اعتمادنا على أنماط معينة أو إيجاد خصائص محددة قد تشنق بها ذات الفنان المتفرد، وما قد يعزز وجوده وقد تقتل ما يود أن يصنعه كشيء من انعكاس لطريقة تفكير جيل معين أو حقبة معينة، وما تمثله من رؤية تعبيرية لخيال المجتمع، ليس كما يود أن يعكسه المجتمع بالأسلوب المتوقع والرتيب، بل عن الحقيقة الغامضة والمواربة وبكل أطيافه والمضامين البسيطة والشديدة التعقيد لكينونة هذا النسيج الذي يشكلنا كشعب، أن نكون أصدق مع ذواتنا لا أن نقدم التضليل الأمثل لما نود أن يراه العالم. خلاصة ما أريد قوله هو أننا نحتاج مساحة استيعاب أوسع وأرحب، لكل التجارب التي تود أن تتصاعد معنا في هذا البنيان حتى آخر عتبة.