بينما تنشغل السلطات الأمنية بمطاردة جماعة «أنصار بيت المقدس» التي تبنت غالبية العمليات المسلحة التي جرت في مصر منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي، والتي تقول السلطة إنها «ذراع عسكري لجماعة الإخوان»، برزت ظاهرة دخول مجموعات من الشباب ضاقت بهم الحياة على خط «الجهاد»، الأمر الذي يمثّل معضلة جديدة في طريق مواجهة الحكم الموقت للإرهاب. وأظهر شريط فيديو نشرته وزارة الداخلية المصرية لأحد منفذي الهجوم على كنيسة في مدينة «6 أكتوبر» قبل أسبوعين، إفادات شاب يدعى محمد إبراهيم فتحي (27 سنة) تحدث عن كيفية دخوله على خط «الجهاد المسلح». وكشفت هذه الإفادة عن حجم المخاطر التي تواجه الحكم المصري الجديد جراء انتشار ظاهرة ما يُعرف ب «الجهاديين المتطوعين». وبحسب أمنيين ومتخصصين في الجماعات الإسلامية فإن تلك «الظاهرة انتشرت في مصر نتيجة انتشار الفكر الأصولي التكفيري في شكل واسع النطاق خلال عام من حكم جماعة الإخوان»، في إشارة إلى اتهامات بأن الجماعة تساهلت أمام نشاط التيارات المتشددة خلال فترة حكمها، وهي اتهامات تنفيها الجماعة التي دأبت على إدانة تفجيرات يقوم بها جهاديون مفترضون. ويوضح فتحي في اعترافاته أنه كان يعمل «نقاشاً» قبل أن يختلط بشيوخ التيار السلفي لفترة، ثم سافر للعمل في السعودية، قبل أن يعود بعد شهر من سقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك عام 2011، لينزل إلى الميادين للاعتصام فيختلط مع عناصر متشددة قال إنهم «أوضحوا له أكاذيب شيوخ السلف، وتعلّم على أيديهم الإسلام الصحيح». ويشير فتحي إلى أن زملاءه أوصلوه إلى شبه جزيرة سيناء حيث حصل على تدريبات عسكرية هناك، قبل أن يسعى مع مجموعة من أصدقائه إلى تنفيذ عمليات ل «نصرة الإسلام» في مواجهة «الحكم الكافر»، موضحاً أن عدم قدرته على تدبير أموال للجهاد دعته إلى استحلال أموال «الأقباط»، فخطط لتنفيذ عملية سطو مسلح على محل لبيع المجوهرات في مدينة «6 أكتوبر»، لتمويل عملياتهم، وعندما ذهب لتنفيذ العملية بصحبة آخرين وقع بالمصادفة تبادل لإطلاق النار مع قوات الشرطة المكلفة بتأمين الكنيسة بعدما اشتبهوا فيه. وفي ما يظهر انتشار هذه الظاهرة، اعترف فتحي ضد زملائه في تلك العملية، مشيراً إلى صديقه في الميدان (التحرير) «وليد» والتي تطورت علاقته عبر التواصل بالإنترنت، وتعرّف عبره إلى «أبو الخطاب» من محافظة الإسكندرية الذي حضر عشية تنفيذ السطو المسلح ومعه أحمد «أبو يوسف» ومحمد «أبو القعقاع». ولفت فتحي أنه عقب حصول اشتباك مع قوات الشرطة أمام الكنيسة فر هارباً وأنه تواصل عبر الإنترنت مع مجموعة (جهادية) أخرى من زملائه تقطن في مدينة شبين الكوم في محافظة المنوفية (دلتا النيل) لتوفير مكان آمن له، وبالفعل قابلهم وأنهم وضعوا عصابة على عينيه حتى لا يتعرّف إلى مكان اختبائهم. من جهته يشير وكيل جهاز أمن الدولة السابق العميد خالد عكاشة إلى أن الأمن يواجه معضلة كبيرة في مواجهة ظاهرة الجهاديين أو «الإرهاب العشوائي»، بحسب وصفه. وقال: «من الصعوبة التي تصل إلى حد الاستحالة التعامل مع الإرهاب العشوائي من خلال الأمن الاستباقي الذي يعمل على تتبع التنظيمات والخلايا. العشوائيون لا سبيل معهم سوى تشديد الإجراءات الأمنية حول المناطق الحيوية». لكنه أشار إلى أن قدرة هؤلاء «محدودة وتفتقر للتمويل والمعلومات، وتنظيماتهم لا تتعدى الأربعة أفراد في العادة، وهي تتشكل عبر علاقات صداقة، وهم غير منخرطين في تنظيم، وانتماءاتهم إلى الفكر الجهادي هشة وتكون عن طريق حضور أحد الاجتماعات أو الإطلاع على صفحات الجهاديين على مواقع الإنترنت». ولفت إلى أن اعتصام الإخوان في رابعة العدوية والنهضة العام الماضي «وفّر البيئة الخصبة لهؤلاء حيث إنه اقترب من الدائرة المؤثرة سواء من خلال القيادات التي كانت تصعد إلى المنصات أو في القواعد التي ربت لديهم العداءات ونقلتهم من حال التعاطف إلى السلوك الإرهابي». ويتفق القيادي السابق في «الجماعة الإسلامية» ناجح إبراهيم مع حديث عكاشة عن كون انتشار «الجهاديين المتطوعين» يمثّل معضلة جسيمة للأمن، موضحاً ل «الحياة» أن فكرة تشكيل التنظيمات سابقاً «اندثرت وحل محلها الخلايا العنقودية أو المجموعة الواحدة. كان في الماضي القبض على مجموعة تعترف على باقي التنظيم، أما الآن فالمجموعات فرادية، وعندما يتم توقيفها تتشكل مجموعة أخرى، ما يمثّل معضلة أكبر»، مشيراً إلى أن «هذه المجموعات تتأثر بصور الدماء والإعلام مع تمدد فكر التكفير وانتشار السلاح»، لافتاً إلى أن بعض هؤلاء «ذهب إلى سورية قبل أن يعودوا. بينما تدرب آخرون في سيناء أو غزة». وعزا ناجح إبراهيم انتشار تلك الظاهرة إلى «خطاب إسلامي منفلت انتشر عقب ثورة 25 يناير، وخطاب تكفيري زادت حدته خلال اعتصام رابعة وبعد فض الاعتصام». وقال: «كلما كانت هناك دماء ازداد انتشار أفكار التكفير». ولحظ إبراهيم أن ثمة ظواهر عدة في الفترة الأخيرة من بينها «الجهادي المتطوع» الذي يبحث عن تنفيذ عمليات مع أعوانه وأنصاره، إضافة إلى عودة الاتجاه إلى سرقة محلات الذهب لتمويل العمليات باعتبار أن الأقباط كفار يستحل دمهم، وهو «اتجاه خاطئ لعصمة الدماء والأنفس». ونبّه أيضاً إلى عودة استخدام الدراجات البخارية التي يسهل معها تنفيذ العمليات ومن بعدها الفرار.