بينما كنت أقود سيارتي في الضاحية الشرقية لبيروت عبرت أمامي شاحنة ضخمة فارغة تسابق الريح وتُرهب جميع السائقين الذين كتب الله لهم العمر الطويل. أذكر هذا المشهد لأقول إنني لا أخاف من الهيكل الضخم لأية آلية تتجاوزني أو تجاورني على طرق لبنان، بل ترهبني قيادة المخلوق المتوحّش لها، مع الاحترام للسائقين الذين يلتزمون قوانين السير ويدركون أخطار القيادة السريعة الرعناء. ولا يقتصر ذكري لتسمية آلية على الشاحنات فقط، إنّما يشمل جميع الآليات، بدءاً من الدرّاجة الناريّة حتى الشاحنة - القاطرة التي تعمل على النقل الثقيل والخارجي. لقد قرأت أخيراً خبراً في إحدى الصحف الأوروبية، مفاده أنه أجريت في السويد دراسة حول مدى انعكاس التحكّم بالآلية على الطرق، فتبيّن أنّ معدل التحصيل العلمي يلعب دوراً إيجابياً أساسياً في ذلك. غير أنني لا أوافق هذه الدراسة الرأي فيما لو قارناها مع ما يجري في لبنان. إن الشواهد اليوميّة لما نلمسه لا تستثني أحداً. كم من طبيب ومحام ومهندس وأستاذ جامعي يلتزمون قوانين السير أكثر من كثيرين من سائقي الشاحنات! لست في صدد الدفاع عن سائقي الشاحنات، بل أطرح هذه المسألة من بابها الواسع، خصوصاً أن نقابة سائقي الشاحنات أعلنت الإضراب العام في الثالث من شباط (فبراير) الجاري، للأسباب الآتية: أولاً – إن الإجراءات التي تتخذها وزارة الأشغال العامة والنقل بحقّهم، في ما خص أوقات السماح بالتنقّل، هي جائرة جداً، من ناحية الإنتاجية وحرية الحركة. ثانياً – إنّ تأمين سلامة السير للمواطنين لا تقتصر على اتخاذ إجراءات صارمة ضد هؤلاء فقط، بل على جميع الذين يخالفون أنظمة السير، وكذلك القوى الأمنية الموكل إليها ضبط هذه المخالفات والتغاضي عنها لألف سبب وسبب. ثالثاً - لا يُعقل أن تُقطع أرزاق الناس بسبب التقصير الأمني في عدم إلزام الجميع التزام قوانين السير. يجب رفع الغطاء عن المخالفات التي يرتكبها سائقو شاحنات مافيات البحص والرمل والنفط والمرافئ البحرية، وعن سائقي حافلات مافيات نقل الركاب بين المدن الرئيسة، وعن أبناء وبنات ونساء وسائقي «بابازات البلد»، من نواب ووزراء وأزلام وعسس كثيرين من «أصحاب الشأن» الحزبيين – مدنيين وعسكريين – وزعران الزواريب والمزارع السياسية. ولا بدّ أيضاً من توفير الحماية والدعم للقوى الأمنية، درءاً من معاقبتهم على الإجراءات الصارمة في تنفيذهم القوانين على جميع المخالفين والمخالفات.