يعتبر سلميّو الثورة السورية أن حراكهم المدني الذي تمثل بالتظاهرات الشعبية المناهضة لنظام الأسد، سرقه مؤيدو العسكرة الذين حرفوا الثورة عن مسارها الديموقراطي وأدخلوها في فوضى العنف والمذهبة. لكن العسكريين أنفسهم يشكون كذلك من عارض السرقة بعد سيطرة المتشددين الإسلاميين واتساع نفوذهم في ميدان المعارك على حساب المقاتلين المعتدلين. وفي الحالتين، يلعب مفهوم السرقة دوراً وظيفياً في التصدي لحركة الواقع وإنكارها، إذ وصل الطور التظاهراتي المدني للثورة إلى حدوده القصوى خلال الأشهر الستة الأولى من دون أن يترك نتائج فاعلة في ما خص شعارات المتظاهرين، ما جعل نهاية حقبة التظاهرات مساراً حتمياً يتصل بالدرجة الأولى بالظروف العنفية التي صنعها النظام ضد معارضيه، لا بوجود لصوص يترصدون مبادئ الثورة. كذلك الأمر بالنسبة الى وصول المتشددين الاسلاميين إلى صدارة المشهد. فالنظام استقدم جهاديين شيعة للقتال إلى جانبه، ما أفسح في المجال للجهاديين السنّة للتقاطر من كل أنحاء العالم. والحال، فإن تبادل الاتهامات بسرقة الحراك السوري يستبطن مصادرة لمفهوم الثورة وتثبيتاً لمساراتها المعقدة. فإما أن يثور الناس كما نريد ونفهم، أو أن الثورة مسروقة. هذا التفكير يعتمد في منطقه الداخلي على التبسيط والبديهية، ويرفض أي مسار تركيبي لبناء عناصر متناقضة غالباً ما يضمها مفهوم الثورة. معادلة العقل المسروق تتلخص بأن نظاماً مستبداً انتفض شعبه ضده من أجل الديموقراطية وكل ما يخرج عن ذلك سرقة أو خيانة. والبديهي أن هذه المعادلة يمكن أن تمضي من دون عوائق في مجتمعات منسجمة حسمت هويتها الوطنية وراكمت مشتركات تخوّلها العيش بسلام. لكن في المجتمع السوري المنقسم طائفياً وإثنياً ومناطقياً، من الطبيعي أن تتعسر المعادلة وتفشل. ثم إن المخرجات التي يضعها المشتكون من سرقة الحراك الشعبي كنتائج حتمية له، كالتصورات عن الدولة المدنية والديموقراطية، تحمل أيضاً بعداً إقصائياً. فالذين نزلوا إلى الشوارع وهتفوا ضد النظام، ليسوا جميعاً من مؤيدي هذه التصورات، وثمة قسم كبير يسعى إلى دولة إسلامية عادلة تستعين بالشرع لوضع دستورها. وعليه، فالمسروقون سارقون أيضاً إذا ما وُضعوا في الجهة المقابلة لخصومهم، ليصبح بذلك كل السوريين متورطين بسرقة ثورتهم طالما أنهم يحملون تصوراً محدداً يخالف تصورات خصومهم. المدنيون لصوص في نظر الإسلاميين والعسكر، كذلك بنظر السلميين، وهكذا دواليك... واللافت أنه خارج دائرة السرقة والسرقة المضادة يتوازى طرفان، النظام السوري والجهاديون الأمميون. فالأول لا يعترف بالثورة أساساً ويعتبرها مؤامرة عليه، وبالتالي يخون جميع أطرافها، السارقين والمسروقين، فيما يجد الأصوليون في الثورة بؤرة جديدة للجهاد العالمي، ما يعني تكفيرهم جميع أطرافها طالما أنهم مرتبطون بشروط محلية بعيدة من أهدافهم. وهكذا فلعبة السارق والمسروق تبدو مفيدة باعتبارها انتقالاً وتحركاً وتغييراً، أي النقيض لطبيعة النظام السوري والجهاديين العدميين. لقد اندلعت الثورة لتسرق من النظام شرعيته وثباته الاستبدادي وتأخذ مساراً حيوياً يتحرك ضمن خريطة معقدة وقلقة لا تثبت على حال. وهو ما يبدو طبيعياً في بلد كسورية يختزن هذا الكم الهائل من التناقضات ويقع على تقاطع حسابات إقليمية ودولية حرجة. فالسرقة، هنا، ليست سوى تحول وانتقال، واتهامها بغير ذلك يسد الطريق على سرقات جديدة تتمثل بالإجهاز على النظام نهائياً وطرد الجهاديين الذين أتى بهم. * كاتب سوري