تشهد صناديق سيادية وشركات عربية، موجة تملُّك حصص في شركات ألمانية ذات أهمية استراتيجية. ففي آب (أغسطس) الماضي توصلت شركة قطر القابضة إلى اتفاق يقضي بشراء 17 في المئة من أسهم «فولكسفاغن» الألمانية. ما يعني أن الشركة القطرية ستصبح ثالث أكبر مساهم في أكبر شركة أوروبية لصناعة السيارات في أوروبا بعد «بورشه» وحكومة ولاية سكسونيا السفلى. وقبل الاتفاق القطري اتفقت شركة أبو ظبي للمطارات (أداك) مع مجمع بافاريا الألماني لصناعة الطيران في شكل مبدأي على إنشاء مجمع لصناعة الطائرات في مدينة العين الإماراتية. وفي آذار (مارس) الماضي اشترت شركة «آبار» الإماراتية التابعة لحكومة إمارة أبو ظبي، 9.1 في المئة من أسهم شركة «دايملر» التي تنتج سيارة مرسيدس الشهيرة. كما اشترت حكومة الإمارة أيضاً شركة فيروشتال التابعة لشركة «مان». وهناك صفقات أخرى بقيت في الظل بعيداً عن وسائل الإعلام، إضافة إلى صفقات قيد التفاوض. لكن ما يلفت في الصفقات الجديدة مع الجانب العربي ليس عددها بل نوعيتها المتميزة. فالتملك العربي الجديد في الشركات المذكورة يختلف عنه قبل عقود. ففي السابق كانت الصناديق السيادية والشركات العربية تتملك حصصاً في شركات ألمانية وغربية بشكل سلبي إذا صح التعبير، بمعنى أنها كانت تشتري الأسهم بهدف بيعها لاحقاً بأسعار تحقق لها أرباحاً عالية. كما أنها لم تلعب دوراً في سياسة الشركات التجارية والاستثمارية بموجب عقود الشراء. أما عقود اليوم فلا تهدف فقط إلى تحقيق الربح، بل أيضاً إلى نقل المعرفة والتكنولوجيا الأجنبية إلى البلدان العربية المعنية، في شكل لا يقل أهمية عن الهدف الأخير. ويدل على ذلك ما جاء في العقود المذكورة أعلاه. فقد نص الاتفاق بين القطريين والألمان على تأسيس مراكز بحوث وتطوير في العاصمة القطرية الدوحة، لتطوير صناعة سيارات ذات أهمية استراتيجية. وهناك حديث عن فرصة لإنتاج أجزاء سيارة «بورشه» رياضية صديقة للبيئة، وحتى السيارة كاملة في شكل مشترك نتيجة الإتفاق المذكور. أما الاتفاقات الإماراتية - الألمانية فنصت على تدريب كوارد وطنية خاصة في مجمع مدينة العين حيث سيجري تصليح محركات طائرات وصناعة هياكلها، إضافة إلى تصنيع قطع متنوعة خاصة بها. كما نص المتعلق منها بصفقة «آبار- دايملر»، على إنشاء مراكز أبحاث وتدريب في أبو ظبي لتطوير تقنيات بيئية وإنتاج سيارة صديقة للبيئة. يأتي التوجه العربي لنقل المعارف والتكنولوجيا الألمانية في ظل فرصة ذهبية وهدف مشروع لتنويع مصادر الدخل الوطني، بخاصة في الدول التي تعتمد على النفط. فالحكومات الغربية، في مقدمها الألمانية، تغض الطرف هذه الأيام عن تملك صناديق سيادية وشركات أجنبية حصصاً في شركات ألمانية استراتيجية، لاسيما أن هذه الحكومة هي ذاتها التي سنت قبل الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية قوانين للحد من هذا التملك. غير أن الأزمة غيرت مناخ الحمائية الألماني والأوروبي في اتجاه الانفتاح نحو هذه الصناديق ورؤوس الأموال الأجنبية، بسبب حاجة الشركات الألمانية والعالمية الحيوية لرؤوس أموالها. كما أن هذه الشركات في حاجة أيضاً إلى زيادة قدرتها التنافسية على الصعيد الدولي، من خلال توطين صناعات وتقنيات معينة وتطويرها في أسواق جديدة بينها الأسواق العربية. ومن هذه الصناعات على سبيل المثال، صناعة السيارات الصديقة للبيئة وصناعة الطاقات المتجددة التي توليها دول عربية كالإمارات أهمية خاصة. إزاء ذلك، يصبح على الدول العربية المعنية العمل بكل السبل المتاحة لاستكمال الشروط اللازمة لإطلاق هذه الصناعات في أقرب فرصة ممكنة. ويأتي في مقدم هذه الشروط تأهيل الكوادر الوطنية والعربية اللازمة لها بدعم ألماني وأجنبي. وفي هذا الإطار لا بد من الاستفادة من خبرات عالمية كخبرات دول مثل ماليزيا والبرازيل وكوريا الجنوبية. وبهذا قد يقترب اليوم الذي تصبح فيه بعض دولنا العربية واعدة في هذه القطاعات، أو على عتبة التحول الى التصنيع. * إعلامي وخبير اقتصادي