قدّمت المذيعة اللبنانية غدي فرنسيس على محطة «أو تي في» ضمن برنامجها «خط تماس» مادة مصورة عن مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين سبقتها اعلانات مدوية في المحطة ذاتها عن قصة المخيم الذي احتل واجهات الأخبار في الأيام الأخيرة بسبب ما تردد عن أزمة فقدان غذاء يعانيها. المتابعة المتأنية لبرنامج فرنسيس تحض على التوقف عند أهمية ما يمكن أن يقدمه البرومو الدعائي الذي يسبق الحلقة المعدة للعرض، ومن يعمل في مجالات الاعلام يدرك أنه يتطلب ذكاء وحرفة في مجال التركيب التتابعي للقطات المستلة من أحداث بعينها، وفي أحيان كثيرة يقع على عاتق خبراء في هذا المجال قد لا يكون المعد أو المقدم أو المخرج بينهم. المادة الدعائية التي سبقت حلقة فرنسيس أظهرت متابعتها من الدقائق الأولى أنها لا تحوي جديداً يتفوق على المواد الاعلامية التي تسابق إليها بعض الفضائيات في تغطيته أخبار عمليات ادخال «السلال الغذائية» صبيحة اليوم الذي بثت فيه الحلقة ليلاً، إذ وقفت معدة «خط تماس» عند دوار البطيخة الذي يميز مدخل مخيم اليرموك، وهو أصبح رمزاً يختصر الرقعة الجغرافية التي تمدد عليها اللاجئون الفلسطينيون منذ نهاية خمسينات القرن العشرين، وصولاً لليوم الذي برز فيه كمخيم محاصر ويعاني أهله الجوع والموت والدمار بعد طول رخاء وتمدن لم يعهده فلسطينيو الأمكنة الأخرى. وهي امتيازات حصل عليها اللاجئون الفلسطينيون بمباركة من الدولة السورية المدنية الفتية حينذاك، وأصبحت اليوم في مهب الريح بسبب تعقد الأزمة السورية. تعثرت كاميرا فرنسيس في المخيم، لا بسبب اليد التي حملتها، إذ عودتنا الزميلة على استخدامها الشخصي للكاميرا من دون كل ذلك التزويق البصري الذي يلهث خلفه المصورون... وربما لم تعقد فرنسيس أملاً على فرص الحظ الذي تتيحه سخونة الموضوع ودقته وحراجته أيضاً، فالعامل الفلسطيني يكاد يكون مغيباً عن المشهد، بسبب غياب البوصلة التي حكمته في العقود الماضية، حتى أن المخيم لم يلق تعاطفاً شعبياً عند فلسطينيي الشتات، وبدا أن الثقافة المسؤولة أصلاً عن استبعاد فلسطينيي سورية من خريطة المشهد الفلسطيني هي المسؤولة أيضاً عن بعض هذا التدهور الذي لقيه المخيم وبقيت الاستجابة لمأساته تقف عند تخوم «البطيخة» التي تميزه وتختصره بمعنى ما، وأصبحت تشكل هوية للباحثين عنه، من دون أن يتمكن أحد من التغلغل في عمق مأساته. أن تذرو رياح الحرب السورية الطاحنة هذا المخيم بالتحديد، يعني أن البوصلة الفلسطينية لم تختر الوجهة التي يجب اختيارها في أدق مرحلة يعبر منها الفلسطينيون إلى مزيد من الفراغ، وهذا بحد ذاته قد يشكل عذراً لغدي فرنسيس وسواها من الزملاء الذين يقفون عند تخوم المخيم، ولا يعرفون ما في داخله.