استعاد المصرف المركزي العراقي بعد توقف استغرق 12 عاماً، دوره في السيطرة على سوق الذهب، بعدما سمح هذا الغياب عنها وفق المتخصصين، بهيمنة مافيات دولية على توريد هذا المعدن النفيس إلى العراق واستغلال انعدام الرقابة لإغراق السوق بذهب مغشوش وبكميات ضخمة، استنزفت مدّخرات الفرد العراقي. وقرر المصرف المركزي بالتشاور مع لجنة الشؤون الاقتصادية التابعة للحكومة العراقية، «سك تشكيلة سبائك من الذهب الخالص تتراوح أوزانها بين 50 و1000 غرام». وباشر إجراءات التعاقد لاستيرادها لبيعها من خلال الجهاز المصرفي، ويمثل هذا التدبير إحدى أدوات السياسة النقدية. وكان النظام السابق مسيطراً على تجارة الذهب في العراق، عبر إقراره تعليمات مشددة تفرض على التجار الحصول على ما يحتاجون إليه عبر الشراء من المصرف المركزي، الذي كان مجبراً على ممارسة تجارة لا تندرج ضمن اختصاصه. ولفت تجار إلى أن الكميات المستوردة من الذهب خلال السنوات الماضية تكاد تكون الأكبر في تاريخ العراق، إذ لم يسبق أن استوعبت أسواق بغداد والمحافظات كميات تفوق 50 طناً في العام الواحد. واعتبر خبراء الاقتصاد أن ازدياد الإقبال على شراء الذهب في العراق «مؤشر جيد إلى انتعاش الوضع المعيشي للمواطنين الذين بدأوا ادخاره خوفاً من هزات محتملة في سعري الدينار العراقي أو الدولار الأميركي». ويتخصص ما يعرف بشارع «النهر» وسط بغداد والمجاور لمقر المصرف المركزي العراقي كموزع رئيس للذهب إلى كل المدن على ما أعلن تاجر الذهب الرئيس عدنان رحيمة، مؤكداً أن تجارة هذه المادة «اختلفت كثيراً عما كانت عليه قبل سقوط النظام السابق». وأوضح أن البنك المركزي كان الجهة المسؤولة عن استيراد الذهب قبل عام 2003، وكان يضع ضوابط كثيرة لهذه التجارة منها الرقابة على ورش الصياغة والفحص الدوري وتبيان الحاجة الفعلية، فضلاً عن ضوابط أمنية مثل متابعة الجهات التي تسحب من الأسواق كميات خارج إطار المألوف ومتابعة أسعار البيع والشراء». وقال إن التاجر «بات حراً بعد ذلك العام باستيراد الكميات التي تتناسب وحجم الطلب في الأسواق». وأشار رحيمة إلى أن معدلات الاستيراد «تتراوح بين طن و1.5 من الذهب أسبوعياً، أي 5 أطنان شهرياً، منها أربعة عبر الإمارات والكمية المتبقية من الكويت والهند وإيطاليا وإيران وتركيا. كما بدأ أخيراً الاستيراد من البرازيل، لكنه غير مرغوب في الأسواق، لأن نسب الذهب تقل عن تلك المتعارف عليها». وعن أسباب إقبال المواطن العراقي على تفضيل ادخار الذهب بدلاً من الدينار والدولار، قال الخبير حيدر داود إن المواطن وبسبب التقلبات الكثيرة في العملة الوطنية نتيجة الحروب والعقوبات الدولية، لم يعد يثق بالعملات وبات يفضّل الذهب كونه بقيمة دولية». وعزا ازدياد الإقبال إلى «ارتفاع معدلات المداخيل». وكان وزير التخطيط والتعاون الإنمائي علي الشكري أقرّ بعزوف مستوردي الذهب عن إخضاع بضائعهم للفحص داخل الجهاز المركزي للتقييس، ويتذرعون بخوفهم من الاستهداف خلال عمليات النقل، مؤكداً أن «الكميات المستوردة سنوياً تتراوح بين 40 و 50 طناً». ونفى الشكري رداً على استفسارات برلمانية تتعلق بآليات السيطرة على استيراد الذهب وتصنيعه وبيعه في العراق، «بيع الذهب بأقل من قيمته العالمية المحددة عبر سوق «أونسا»، وكذلك وجود آليات استيراد للذهب سوى دخوله من المنافذ الحدودية ونقله إلى مراكز بيع الجملة النوعية لإجراء الفحوصات المخبرية عليها، ووسمها بالوصمة العراقية المعتمدة. لكن لفت إلى أن «التجار لا يلتزمون بهذه الفقرة ويتذرعون بخطورة نقل المصوغات للجهاز المركزي». ولم يستبعد الشكري، وجود عمليات غش في السوق، مشيراً إلى أن «الغش والتلاعب موجودان منذ إحداث عام 2003، نتيجة صعوبة تطبيق القانون بسبب سوء الأوضاع الأمنية. وعلى رغم ذلك ضُبطت مصوغات ذهبية مغشوشة في بعض الورش واتُخذت الإجراءات القانونية بحق أصحابها. لكن حتى الآن لم يُضبط أي جهاز وسم يملكه أصحاب الورش أو الصاغة بهدف تزوير المنتجات. وكانت قوة أمنية قبضت على عدد من المتهمين بمتاجرة المصوغات الذهبية المزيفة، وضبطت ورشتين لغش الذهب في بغداد. وقال الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية العقيد سعد معن إبراهيم في بيان تلقت «الحياة» نسخة منه، إن مفارز مديرية مكافحة الجريمة الاقتصادية في الوزارة «تمكنت وبالتعاون مع الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية من ضبط ورشتين لغش مادة الذهب، وإلقاء القبض على أصحابها بالجرم المشهود، ودوّنت أقوال المتهمين واعترفوا صراحة بالتهم الموجهة إليهم. وأكدوا أنهم غير مجازين من الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية ولديهم تعاملات مشبوهة».