التقى وفدا الحكومة السورية و «الائتلاف الوطني السوري» المعارض أمس «وجهاً لوجه» إلى طاولة واحدة وفي غرفة واحدة في مقر الأممالمتحدة في جنيف، بحضور المبعوث الدولي - العربي الأخضر الابراهيمي، لكن الوفدين حضرا على مستوى أقل مما كان متفقاً عليه مع الابراهيمي بعد مفاوضات شاقة مساء أول من أمس. وبرّر كل وفد انه التقى الآخر «خدمة لمصلحة الشعب السوري». وغاب عن الجلسة الأولى للمفاوضات بين الوفدين رئيس الوفد الحكومي وليد المعلم ورئيس وفد «الائتلاف» أحمد الجربا، اذ ترأس الوفد الأول مندوب سورية إلى الأممالمتحدة بشار الجعفري مع غياب كبار المسؤولين، مثل المعلم والمستشارة السياسية والإعلامية في الرئاسة بثينة شعبان، في مقابل غياب رئيس «الائتلاف» وذهاب رئاسة وفده التفاوضي إلى هادي البحرة. وقال مسؤول غربي رفيع المستوى ل «الحياة» إن المعارضة أظهرت «جدية في الوصول إلى هدفها، حيث وصل أعضاء الوفد الى مقر الاممالمتحدة للانخراط في مفاوضات جادة، وكانت التوقعات أن كامل أعضاء وفد النظام سيكونون في القاعة وان يكون التعاطي بمستوى تعاطي المعارضة لإنهاء معاناة الشعب السوري. وبينما يُقتل الابرياء لا يزال النظام يلعب ألعابه في المفاوضات». لكن الجعفري أعلن بعد الجلسة: «نحن هنا لحماية مصالح بلدنا والمضي قدماً في الدفاع عن بلدنا». وبحسب المعلومات المتوافرة ل «الحياة»، فإن كلاً من الوفدين السوريين دخل من باب مختلف إلى القاعة الرقم 16 في مبنى الأممالمتحدة. وجلس وفد المعارضة على يمين الطاولة مقابل وفد الحكومة، وجلس الإبراهيمي في الوسط وتحدث عن اجراءات المفاوضات مثل أن التخاطب بين الوفدين سيكون عبره وشدد على ضرورة عدم التحدث إلى وسائل الاعلام وضبط النفس والاتصالات مع الخارج والحفاظ على وثائق المفاوضات. كما تناول الابراهيمي الهدف من المفاوضات وهو تطبيق بيان جنيف الأول الصادر في حزيران (يونيو) 2012 بما يتضمن تشكيل هيئة حكم انتقالية بقبول متبادل. وأكد الابراهيمي للوفدين أن «أساس هذه المفاوضات هو مبادرة جنيف1، والهدف منها تطبيق بنود جنيف1»، وأشار إلى أن «الطرفين موافقان على هذا الموضوع». وبعد نحو نصف ساعة، تحدث الإبراهيمي مع كل فريق على حدة لنحو عشر دقائق قبل انتهاء أول جلسة تفاوضية في غرفة واحدة منذ بداية الصراع قبل ثلاث سنوات. ولوحظ أن اياً من العلم الرسمي السوري، ذي النجمتين، وعلم الاستقلال ذي النجوم الثلاث، لم يُرفع في الغرفة. لكن كل وفد من الوفدين وضع على صدره علمه. وتم فقط رفع علم الأممالمتحدة في القاعة. وبعد ذلك، عقد الإبراهيمي جلسة أخرى من المفاوضات مع الجانبين للاتفاق على جدول الأعمال. وقالت المصادر إن العملية ستبدأ بوقف اطلاق النار وإيصال المساعدات في حمص وسط البلاد بحيث تصل المساعدات إلى الأحياء المحاصرة في المدينة، الأمر الذي يركز عليه وفد المعارضة، في مقابل ايصال المساعدات إلى الريف، الأمر الذي يركز عليه وفد الحكومة. وزادت أن المفاوضات حول هيئة الحكم الانتقالية ستبدأ يوم غد، وفق المقايضة التي جرت في المفاوضات التمهيدية. وبعد الجلسة، حاول كل طرف توضيح خلفية موقفه وجلوسه للمرة الأولى مع الطرف الآخر. وقال الجعفري: «لم نأت لنتحدث بالعواطف. قد نكون نعض على جرحنا، لكننا جادون. لدينا تعليمات واضحة. أتينا بعقلية منفتحة وبنفسية ايجابية لإخراج البلد من هذا الوضع، وفق المصالح العليا السورية». وأوضح أن خطاب الابراهيمي «اقتصر على الاحاطة بتصوره للمفاوضات، وقد تحدث عن الاجراءات من ناحية الشكل. لم ندخل في أي تفصيل آخر، ولم يتم الاتفاق على شيء، ليس لأننا لا نريد الاتفاق بل لأن الحوار لم يبدأ بعد». وأضاف، كما نقلت عنه «رويترز»، أن «أي حديث عن اتفاق هو قراءة مزاجية استنسابية، ولا أجندة أعمال بعد». وكان نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد قال صباحاً إن المفاوضات تشكل «بداية متواضعة»، مضيفاً: «الألف ميل يبدأ بخطوة. نحن مع أن نبدأ بخطوات متواضعة لأننا نريد أن نصل الى نتيجة، على أمل أن نصل الى خطوات أكبر». ونقلت «رويترز» أمس عن وزير الإعلام السوري عمران الزعبي قوله لمراسل من التلفزيون السوري، قبل وقت قصير من بدء المحادثات المباشرة مع وفد المعارضة بحضور الأخضر الإبراهيمي، إن هناك موقفاً رسمياً سورياً أُبلغ للأمم المتحدة والقوى الكبرى بخصوص التحفظات عن نتائج مؤتمر «جنيف1»، وقال إن قولهم الآن إنهم فوجئوا بذلك فهذا شأن يخصهم. وأكد الزعبي أن الوفد السوري قادر على إجراء محادثات والبحث في التفاصيل والعمل على تهيئة أجواء تقود إلى جهد مشترك لإعادة الأمن والاستقرار إلى سورية. كذلك قال مندوب سورية في الأممالمتحدة بشار الجعفري لمراسل تلفزيون «رويترز» إنه من المبكر للغاية بحث تشكيل حكومة موقتة لكن يجب مناقشة كل بنود اتفاق «جنيف1» الذي اقترح تشكيل هذه الحكومة (الانتقالية). في المقابل، قال عضو وفد المعارضة أنس العبدة للصحافيين بعد اللقاء مع وفد الحكومة برعاية الإبراهيمي: «المشاعر كانت متداخلة. ليس سهلاً علينا أن نجلس مع الوفد الذي يمثل القتلة في دمشق، إلا أننا فعلنا ذلك لمصلحة الشعب السوري وأطفال سورية ومستقبل سورية»، لافتاً إلى أن الابراهيمي تكلم في الجلسة الصباحية عن «مبادئ التفاوض واهداف التفاوض وطبيعة التفاوض والنتائج المتوقعة من المفاوضات». وعن مقترحات الابراهيمي لإيصال المساعدات الانسانية الى حمص، قال العبدة: «لدينا مقترح في هذا الإطار وهو متكامل جرى البحث فيه قبل جنيف2، وحصل حديث مع الصليب الأحمر وبعض الدول القريبة من النظام مثل روسيا ومع الولاياتالمتحدةوالاممالمتحدة». وتابع: «قناعتنا ان هذا المقترح قطع مسافة لا بأس فيها، ونأمل الوصول به اليوم إلى نتيجة. بمعنى اننا سنطلب منهم وقتاً محدداً لاعلان وقف اطلاق النار في حمص القديمة لتدخل إليها فرق الاغاثة». وقال إن «الائتلاف» المعارض «اتفق مع الكتائب المقاتلة في حمص القديمة والوعر (حي في حمص) على أن تحترم وقف اطلاق النار وتحمي قوات الاغاثة»، معتبراً أن التوصل إلى مثل هذا الاتفاق «سيكون بداية جيدة للمفاوضات».