بعد أن تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي دعوة بعض المحسوبين على الخطاب الديني في السعودية، بالتحرش بالنساء العاملات أو المتبرجات حتى يرتدعن، وبعد مقطع المتحرش بالفتاة الصغيرة، يتساءل المتابع عن مدى حضور التحرش في الثقافة الدينية، وما الموقف الشرعي من ذلك؟ وهل الخطاب الديني يقف في صف المتحرش ضد المرأة أم ينكر على المتحرش بصوت أخفض من إنكاره على المرأة؟ في هذا الصدد أكد خطيب جامع قباء في المدينةالمنورة الشيخ صالح المغامسي أن استهانة المرأة بحجابها - وإن كانت تأثم - ليست مبرراً للتعرض لها، وطالب بالحزم مع المتحرشين «في بعض الشباب جرأة لا بد من أن تقابل بحزم ورادع شديدين». وقال في حديث ل«الحياة»: «إن الله لما أمر المرأة بالحجاب قال سبحانه (ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين)، والمعنى إذا عرفن بالحياء وظهرت عليهن آثاره فقلما يتعرض لهن أحد»، ولفت إلى أنه «ليس هناك حضور حرفي للفظ التحرش في الخطاب الديني، لكنه قطعاً حاضر بمعناه، إذ أمر الله المؤمنين بغض البصر، فالنهي عما هو أشد منه من باب أولى». وأضاف: «شيوع هذا السلوك المذموم له أسباب لعل في مقدمها الاستهانة بمحارم الله، ونقص المروءة، وتنافس الأقران من الشباب في ما يحط من المروءة من دون أن يدركوا آثار ذلك عليهم قبل من يتعرضون له بالأذى، ولا ريب أن ثقافة الشاشات الساقطة هي اليوم أصل كل بلاء ومبعث كل فساد». وطالب بتقنين بعض أحكام الشريعة، وإعلان ذلك إعلاناً ضافياً، والمسارعة في تطبيقه. «ولا يمنع بل يحسن أن يصاحب ذلك خطاب توعوي جاد يقوم على التذكير بهمم الرجال وطرائق الفضائل». من جهته، قال الباحث الشرعي عبدالعزيز الغنام: «أحياناً يبدو الخطاب الديني من خلال بعض المحسوبين على الإسلاميين محرضاً على التحرش، إذ يعطي الفرصة للرجال للتحرش بالنساء، على رغم أنه يمثل انتهاكاً للضمير الجمعي للمجتمع، ولا يتفق مع قيم الإسلام ولا روحه». ولفت إلى أن بعض الدعاة حين يسمع حالات تحرش من بعض الشباب بسبب أن المرأة متزينة يجرم المرأة أكثر من المتحرشين. وطالب في حديث مع «الحياة» بإحياء القيم والأخلاق في أذهان الدعاة قبل الشباب، باعتبار أن مباركة أو مطالبة بعض الدعاة - ولو على سبيل السخرية - بالاعتداء على النساء العاملات أو المتجملات، هو إشارة خضراء لقليلي المروءة بالاعتداء والتمرد على النساء. كما طالب بسنّ قانون صارم لا يستثني أحداً. وقال: «في الغرب تظهر المرأة في شكل مغرٍ وكاشف لمعظم جسدها، ولا يجرؤ أحد بالاعتداء عليها بسبب صرامة القانون». عدد من الكتاب الإعلاميين والمتابعين اتهموا التيار المحافظ بالانحياز ضد المرأة، إذ يرى الكاتب الإعلامي عبدالله بن بخيت أن غلاة التيار المحافظ يرون أن المرأة هي أصل التحرش وسببه ومن يستحق العقاب، في حين كتب خلف الحربي أن التيار المتشدد يقاوم بشراسة قانون التحرش، لأنه يحد من فرص وصايته على المجتمع، ويقلص من قدرته على التدخل في حياة الناس، في حين تؤكد الكاتبة فاطمة العتيبي في مقالة لها في السياق ذاته أن مجتمعاً يحث بعض دعاته الشباب على التحرش بنسائه، ولا يضج عقلاؤه اعتراضاً واستهجاناً، ليُخشى عليه من أن يتحول إلى مجتمع مشوَّه. وتتساءل: «هل فقدنا ملامحنا الأصيلة وقيمنا النبيلة؟ هل تركنا قول الله وقول رسوله، وأصبح بعضنا أداة يلهو بها ثرثارو «تويتر» المتلحفون بالدين، يخفون السُم الزعاف من الحقد والضغينة على كل مختلف عنهم، حتى لو كان ذلك باللون واللهجة، فإذا قرأت كيف يناقشون مخالفيهم فيما هو مختلف فيه، وجدتهم يعادون الناس، ويحرّمون ما أحل الله، ويقولون من القول أقذعه، حتى لتشعر بأنك غريب، وأن الناس حولك ليسوا الناس الودودين المبتسمين الذين اعتدتهم في وطنك. يذكر أن وزارة العدل أوضحت أخيراً أن عدد قضايا التحرش في محاكم المملكة - استدراج حدث ومضايقة نساء - بلغ 2797 قضية. وتصدرت محاكم منطقة الرياض بواقع 650 قضية، ثم محاكم منطقة مكةالمكرمة بواقع 430 قضية، تلتها «الشرقية» ب210 قضايا، فمنطقة المدينة ب170 قضية، بينما نظرت المحاكم الأخرى قضايا التحرش بالنساء والأحداث بأعداد متقاربة.